فرص الاتفاق الثلاثي في الحل السوري

04:29 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

أتى الاتفاق الثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران، في العشرين من الشهر الجاري، حول الحل السياسي في سوريا، بعد أن أسفرت معارك حلب عن دخول قوات النظام وحلفائها إلى القسم الشرقي في المدينة، وإخراج المدنيين المحاصرين، وما سبق ذلك من إخراج لمقاتلي قوات المعارضة من محيط العاصمة دمشق، وتحديداً من داريا وقدسيا والتل، وترحيلهم إلى إدلب، وهو ما أتاح ميدانياً للدول الثلاث النافذة في الموضوع السوري، أن تصل فيما بينها إلى اتفاق على وقف إطلاق النار، وتوسيع المناطق التي يشملها، والبدء بعملية سياسية، من المتوقع أن تستضيفها أستانة عاصمة كازاخستان، التي شهدت سابقاً مؤتمراً للمعارضة السورية.
وخلف الاتفاق تكمن تطورات العلاقة بين أنقرة وموسكو، ونهاية الخطوط الحمراء التركية، التي أطلقها رجب طيب أردوغان في أكثر من مناسبة، وكان أولها أن مدينة حماة هي خط أحمر، التي راحت تتساقط مع مرور الوقت، وصولاً إلى تحول دراماتيكي بين العاصمتين، وتقاربهما بعد الانقلاب الفاشل على أردوغان، وهو ما سمح للدولتين برسم حدود مصالحهما داخل الجغرافيا السورية، وصولاً إلى الاتفاق الثلاثي، المكون من ثماني نقاط، أعطى مكافحة الإرهاب مكانة خاصة.
لقد رسم الاتفاق حدود المصالح التركية، وهي: الحد من نفوذ الأكراد في الشمال السوري، وإجهاض طموحات «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني» في وصل المناطق الكردية مع بعضها، ما كان سيمهّد وفقاً للرؤية التركية لقيام كيان كردي مستقل. كما أن تركيا في هذا الاتفاق ستكون ملزمة بالتخلي عن دعم الفصائل الإسلامية المتطرفة، وإيقاف طرق إمدادها بالسلاح، والمساعدة على حصر نفوذ القوى المسلحة المعارضة في مدينة إدلب وريفها، والأهم هو القبول بالرؤية الروسية للحل السياسي.
لقد سعت روسيا منذ تفجر «الانتفاضة» السورية في مارس/ آذار 2011 إلى محاولة الفصل بين المعارضات السورية، وأبدت موقفاً سلبياً من المجلس الوطني بداية، ومن ثم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، واستضافت في موسكو مؤتمرات لمعارضة سورية تؤمن بالحل السياسي، وترفض العسكرة؛ وذلك في إطار بلورة شخصيات وقوى معارضة تقبل بالرؤية الروسية، ويمكن أن تكون شريكاً في أية مفاوضات، ما يقلل من وزن القوى الأخرى، خصوصاً القوى الإسلامية من «إخوان» مسلمين وغيرهم.
لكن في التحليل، يبدو أن الرؤية الروسية، التي وقفت على طول الخط مع الحل السياسي، قد فرضت نفسها عبر الحل العسكري القائم على تفوق سلاح الجو، والميليشيات الداعمة للنظام، وليس عبر طاولة التفاوض، وهو ما يعني استبعاد قوى وشخصيات وطنية كثيرة تنظر إلى روسيا بوصفها دولة احتلال، وليست طرفاً محايداً، وأنها فيما تعده «حلاً سياسياً» تسعى إلى الإبقاء على المنظومتين الأمنية والعسكرية للنظام، اللذين يشكلان عصب النظام، ما يعني أن كل نضالات السوريين، خلال السنوات الماضية، من أجل القضاء على منظومة الاستبداد لم يكن لها أي معنى حقيقي، وأن موسكو تستخف بكل الأثمان، التي دفعها السوريون.
إن التاريخ القريب يخبرنا بأن كل الحلول، التي تفرضها الانتصارات العسكرية ضد فئات واسعة من الشعب، لا تنتج حلولاً سياسية مستدامة، وأن مستوى القبول الشعبي لأي عملية سياسية هو ما يعطيها مقومات النجاح، وبأن الإرادات المتضاربة للدول الخارجية تمزق النسيج الوطني، بينما هي تدعي أنها تقدم لمشكلاته المخارج والحلول، وأن محاربة الإرهاب بطرق عسكرية صرفة، ابتداء من أفغانستان وصولاً إلى العراق، أنتجت المزيد من القوى المتطرفة، وهو ما كان يجب إدراكه من قبل موسكو وطهران وأنقرة.
ولئن أوحى الاتفاق الثلاثي على تقارب الرؤى بين العواصم الثلاث على الحل السياسي، إلا أنه يخفي في ثناياه الكثير من المشكلات والعقبات، وأولها ما يتعلق بالتنافس بين الدول الثلاث الموقعة عليه على النفوذ، فموسكو التي تتحكم في الأجواء السورية لا تمتلك على الأرض ما تمتلكه طهران من نفوذ، وقد رأينا كيف حاولت طهران تأخير تنفيذ الاتفاق شرقي حلب، بينما استعجله الروس، كما ستتكشف لاحقاً الكثير من تفاصيل التنافس، بعد أن تهدأ أصوات المعارك، خصوصاً فيما يتعلق بنفوذ للدولتين بين السوريين.
إن الاتفاق بصيغته الحالية، التي لا تتضمن أي طرح واضح حول آليات العملية السياسية، ولا تشير إلى روح المرحلة الانتقالية، قد وضع مسبقاً الكثير من القوى السورية في موقف معارض له، ويبدو من الصعب أن يكون جاذباً لقوى معارضة وازنة، ما يرجح الاعتماد لاحقاً على قوى لا تمتلك قاعدة شعبية مهمة، من أجل إنجاز تسوية سياسية، وهو ما يعني أن تلك التسوية لن تمتلك عناصر الشرعية الوطنية، الأمر الذي سيعمق من الشرخ في النسيج الوطني، ويمنع من إعادة بناء العقد الاجتماعي، ويبقي بركان المظلوميات في حالة غليان، وكل ذلك هو وصفة مثالية لإحلال.. «سلام ما بعده سلام».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"