من جمهورية أتاتورك إلى جمهورية أردوغان

03:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
فوز رجب طيب أردوغان بانتخابات الرئاسة في تركيا كان متوقعاً ولم يحمل مفاجأة تذكر، سوى ربما أنه فاز بنسبة أقل من المتوقع (أكثر بقليل من 50 في المئة) . بينما حظي منافسه الرئيسي أكمل الدين إحسان أوغلو بنسبة فاقت ال 38 في المئة، وقد جاء ترشيح الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي متأخراً، ولم يخض حملة انتخابية بحجم هذا الاستحقاق، ولو أنه استدرك ذلك في الوقت المناسب فلربما تغيرت النتائج .
ما حدث خلال 12 عاماً أن حزب العدالة والتنمية قد سلب الوهج من بقية الزعامات التركية القومية والعلمانية واليسارية وأن صعود قيادات جديدة ذات حضور شعبي وازن على المسرح السياسي، مسألة تحتاج إلى وقت، خاصة في ضوء النجاحات الاقتصادية التي حققها الحزب، مع نجاح موازٍ في الملف الكردي وضع حداً لمواجهات دامية سابقة امتدت زهاء ربع قرن . وقبله النجاح في إخراج المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية .
عقب فوزه وفي خطاب النصر حيى أردوغان معارضيه، وما كان له إلا أن يفعل، فنصف الشعب اقترع له، لكن النصف الآخر لم يمنحه الثقة .
على مدى الأسبوع الماضي انعقدت الأخبار والتقارير الواردة من أنقرة حول مصير الرئيس المنتهية ولايته عبدالله غول، وحول من سوف يحل محل أردوغان على رأس السلطة التنفيذية، وفي رئاسة الحزب . وحول الاستعدادات للانتخابات النيابية المقبلة، وكذلك لتحول دستوري كبير ينقل جمهورية أتاتورك من نظام برلماني إلى نظام رئاسي أو شبه رئاسي . لكن هذه المتابعات الإخبارية في معظمها لم تتحدث بشيء عن مشاركة النصف الآخر من الشعب في مستويات الحكم وفي مؤسساته . وكأن هذا النصف بات خارج اللعبة تماماً . وما إذا كانت التعديلات الدستورية الكبيرة سوف تُطرح على الشعب أسوة بالانتخابات الرئاسية، أم أن مجلس النواب سيكون هو وحده صاحب القرار .
أجل لقد تحدث الرجل عن الديمقراطية والسلام، وبنبرة ودّية تشي بمد الجسور مع الجميع، وهذا جيد، ومشجع، لكنه غير كاف . فالانفراد بالحكم لا يثير ارتياحاً حتى لو جاء المنفردون بواسطة صناديق الاقتراع . وخاصة حين يدخل هذا الانفراد عشرية ثانية، وحين يجري الحديث من طرف أردوغان وحزبه عن تركيا العام 2023 والمشاريع الضخمة على مستوى البنى التحتية، في إيماءة تفيد بأن الحزب عازم على
الانفراد بالسلطات لعقدين من الزمن ينتقل منهما إلى العقد الثالث .
ليس سراً أن بعض المعارضين الأتراك لا يترددون في نعت الرجل بالديكتاتورية . علماً بأن أردوغان بنى في الأساس شعبيته على رفض مبدأ الانقلابات، وتدخل العسكر في الشأن السياسي، لكن اندفاعه لمحاولة تغيير أسس النظام لتعزيز مركز الرئاسة، قد تمنح المعارضين بعض المسوغات في التشكيك بنزعته الديمقراطية، وذلك معطوف على التشدد المفرط في قمع الاحتجاجات، ونعت المحتجين باللاوطنية، والتضييق على وسائل الإعلام المختلفة خلال العامين الماضيين . والخشية أن تتم شخصنة النظام، وأن يتحول رأس الدولة إلى زعيم شعبوي لا يأتيه الباطل، وأن تخسر بلاد الأناضول شيئاً فشيئاً طابعها التعددي على مستوى الحكم ومؤسساته، كما على المستوى الثقافي العام . وفي ذلك خسارة للنموذج الذي مثلته تركيا لنموذج الإسلام السياسي المرن والعصري، والذي وصفه أردوغان نفسه ذات مرة بالعلمانية المؤمنة . بل هو في حال حدوثه خسارة لحزب العدالة والتنمية رغم فوزه الظاهر، فالتنمية السياسية والشراكة الديمقراطية الواسعة لا تقلان أهمية عن كسب الانتخابات .
لا يستبق المرء، في ما تقدم، الأمور . فطغيان حزب العدالة على المشهد السياسي والإعلامي لا تخطئه العين . والنشوة بالنصر لا تفارق حركات وسكنات زعمائه، خاصة زعيمه الذي وصل إلى المركز الأعلى في الدولة . وإدارة الظهر لبقية المكونات السياسية والحزبية والاجتماعية غير خافية . وبما أن الأمور في هذه الحلقة من صعود حزب العدالة ما زالت في بدايتها، فلنا أن نأمل بتغيير في المشهد يعكس التعددية الفعلية القائمة، ويمثلها في مختلف مستويات الحكم، بما يضمن حياة ديمقراطية سليمة وديناميكية .
هل سيعمل أردوغان على ترميم العلاقات التركية العربية وإعادة الزخم لها بعيداً عن أدلجة الأمور؟ الأمل في أن تنشط تركيا في مناوأة موجة التطرف التي تهدد في هذه الآونة المشرق العربي بما فيها دول الجوار العربي مع تركيا، وكذلك كل أشكال ومظاهر العنف والبطش في المنطقة أيّاً كان مصدرها ولبوسها، فمن مصلحة الجميع أن تسود قيم العدل والأمن والكرامة .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"