حرب الرقائق وتبعاتها

22:22 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم محمود حنفي*
يرى عدد من المراقبين أنه في حقبة ما بعد كوفيد-19، ستتوسع بشكل سريع الصناعات الرقمية، والتعاملات غير المباشرة، ومجالات الاقتصاد الذكي، ومحتويات الواقع الافتراضي المستند إلى السحابة الإلكترونية. أيضاً فإن العمل عن بعد، والتسوق عبر الإنترنت، والتعليم عن بعد، والتطبيب عن بعد، ستكون مجالات جاذبة للانتباه. وسوف تدخل صناعة التنقل إلى عصر جديد، وسيتم إصدار أجهزة منزلية تتميز بوظائف متعددة وبكميات كبيرة. ولذلك ستحتاج العديد من المنتجات المتعلقة بالثورة الصناعية الرابعة إلى ذاكرة رقمية من نوع «دي رام» ذات سعة أكبر، وهو ما يمكن أن يتيح فرصة عظيمة للشركات المتخصصة في تصنيع الرقائق.
ومن هنا كان الاهتمام الأمريكي اللافت بإعلان شركة إنتل لصناعة الرقائق عن تخلفها عن أهداف الجيل التالي من الشرائح والتفكير في شراء رقائق من شركات أخرى - يفترض أن تكون شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية «TSMC»، وهي أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم، حيث توجد الرقائق التي تصنعها الشركة في كل شيء تقريباً: الهواتف الذكية، ومنصات الحوسبة عالية الأداء، وأجهزة الكمبيوتر، والأجهزة اللوحية، والخوادم، والمحطات الأساسية، ووحدات التحكم في الألعاب، والأجهزة المتصلة بالإنترنت مثل الأجهزة الذكية القابلة للارتداء، والإلكترونيات الاستهلاكية الرقمية، والسيارات، وكل نظم التسليح تقريباً التي تم بناؤها في القرن الحادي والعشرين. 
تصنع شركة تايوان حوالي 60% من الرقائق التي تستخدمها الشركات الأمريكية. مما جعل العديد من المسؤولين الأمريكيين، وخاصة في مؤسسة الأمن القومي في حالة من القلق، لاسيما أن الولايات المتحدة في إطار حرب الهيمنة التكنولوجية مع الصين قامت بالحد من قدرة شركة هواوي الصينية على الاستعانة بمصادر خارجية لتصميمات الرقائق الداخلية لتصنيعها من قبل الشركة التايوانية TSMC. 
ولذا أنشأت الصين صندوقاً وطنياً بقيمة 2.7 مليار دولار لدعم منتجي الرقائق المحليين. وتتفق معظم الدراسات على أن شركة إنتاج الرقائق الصينية «إس إم آي سي» قد تكون بديلاً متاحاً، لكن التكنولوجيا الموجودة لديها لا تزال بمقياس 14 نانومتراً، أي أنها متخلفة كثيراً عن تقنية 5 نانومترات. وبالتالي فإنها ستعاني كثيراً في السوق. 
وترى إحدى الدراسات أن «الصين قد تصعد من خلال أحد خياراتها الاستراتيجية التي لا ترقى إلى الحرب، وربما تنجح في إجبار المشغل على التوقف عن صنع رقائق للشركات الأمريكية. وإذا تم حرمان الولايات المتحدة من الوصول إلى هذه المشغلات، فسوف تتراجع صناعات الدفاع والإلكترونيات الاستهلاكية الأمريكية لمدة خمس سنوات على الأقل. علاوة على ذلك، نظراً لأن الصين تستثمر في مشغلات الرقائق الخاصة بها، فقد تصبح رائدة عالمياً في مجال التكنولوجيا». 
لهذا قام كل من الجمهوريين والديمقراطيين في مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأمريكيين باقتراح تخصيص نحو 25 مليار دولار لمساعدة صناعة الرقائق الأمريكية، وفي مايو 2020، أعلنت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة أنها ستقوم ببناء مشغل بقيمة 12 مليار دولار في أريزونا .
يستغرق بناء هذه المشغلات ثلاث سنوات على الأقل وهي أغلى المصانع على وجه الأرض. من المخطط أن يبدأ البناء في منشأة الشركة هذا العام (2021)، لكن الإنتاج الفعلي للرقائق لن يبدأ حتى عام 2024. لكن حتى إذ تم بناء مشغل أريزونا، فسيكون قادراً فقط على معالجة حوالي ربع إنتاج الرقائق في أكبر مصانع تصنيع أشباه الموصلات في الشركة وستصل إلى 3% فقط من القدرة التصنيعية التي تعمل بها الشركة حالياً في تايوان. 
وحالياً، يجبر نقص رقاقات أشباه الموصلات في العالم الشركات الصانعة للسيارات على خفض إنتاجها، ما دفع دولاً مثل الولايات المتحدة واليابان وأوروبا إلى أن تطلب من تايوان المساعدة على تعزيز إنتاج الرقاقات. 
* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"