احتلال باسم المناطق الآمنة

02:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

قد يدفع مصطلح «المناطق الآمنة»، في شمال شرق سوريا الذي يردده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صباح مساء مغرياً لبعض ذوي النوايا الحسنة، الذين يرون في مثل هذه المنطقة،حلاً لمعضلات مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، الذين قذفت بهم الأزمة السورية إلى خارج بلادهم، أو فرقتهم كنازحين داخل وطنهم. لكن هذا التفاؤل سرعان ما يخبو عندما نتعرف على حقيقة الأهداف التركية من وراء رفع هذا الشعار، والإمكانيات الواقعية لإقامة هذه المنطقة، ونجاحها في مساعدة اللاجئين السوريين الذين تقطعت بهم السبل.
فكما هو معروف يستخدم مصطلح «مناطق آمنة» أو«ممرات إنسانية» وغيرها من التسميات، من أجل حماية المدنيين الفارّين من الصراعات. وهي عادة ما تكون مناطق تتوافق عليها الأطراف المتصارعة في نزاع ما، وتمتنع القوات المقاتلة عن دخولها أو شنّ هجمات عليها، بغية إبعاد المدنيين العزل عن مخاطر الصراع.
ورغم أن مثل هذه الخطوة قد تبدو بسيطة وسهلة من الناحية النظرية، إلا أن تاريخ الصراعات في العالم يثبت صعوبة إيجاد «مناطق آمنة» في ظل الصراعات الدموية، وأن الحل الأمثل هو تسويات سياسية واقعية تنهي تلك الصراعات، وتنحي فكرة الاحتكام إلى السلاح.
ولو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن أغلب تجارب المناطق الآمنة التي أقيمت خلال الصراعات العرقية و الإقليمية في العالم أخفقت في الوصول إلى أهدافها، ففي عام 1993 أصدر مجلس الأمن الدولي، تفويضاً لفرض هذه المناطق الآمنة تولته قوة حماية الأمم المتحدة التي كان من واجبها حماية المسلمين من اعتداءات الصرب وتمكين توزيع المواد الغذائية ودعم العملية السياسية، إلا أن ذلك لم يمنع من وقوع مذبحة سربرنيتسا إحدى أكبر المذابح منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حين استولت في يوليو 1995 وحدات شبه عسكرية صربية على المدينة بقيادة الزعيم العسكري راتكو ملاديتش وقتلت أكثر من 7000 رجل وشاب مسلم.
ومنذ تلك اللحظة تُعتبر سربرنيتسا رمزاً لأكبر فشل للمجتمع الدولي في حماية حياة البشر في ظروف الحرب.
وهناك أمثلة أخرى منها مذبحة رواندا التي وقعت في جنوب غرب رواندا عام 1994 في منطقة الحماية الإنسانية المقامة آنذاك من قبل تحالف عسكري فرنسي سنغالي وفقاً لقرار من مجلس الأمن الدولي.
ونلاحظ أن النتائج نفسها تكررت في سريلانكا، حيث خاضت الحكومة حرباً أهلية استمرت 26 عاماً، ضد مجموعة نمور التاميل المتمردة، وفي عام 2009، مع اقتراب نهاية الصراع، طلبت الحكومة من المدنيين اللجوء إلى مناطق آمنة. لكن الأمم المتحدة اتهمت الحكومة بالاستمرار في قصف المناطق المدنية، بما فيها هذه المناطق.
ونلاحظ في الحالة التركية، أن هناك الكثير من المخاطر التي قد تلحق بالمدنيين، رغم تشدق أردوغان بحمايتهم، وتسويق خطاب إعلامي مراوغ، يهدف إلى تحقيق أهداف أخرى خفية، من أهمها الأطماع التركية في الأراضي السورية، زد على ذلك أن إقامة تركيا لمنطقة آمنة في شمال سوريا أمر يفتقد الشرعية الدولية، على اعتباره أنه يأتي من دون تفويض من مجلس الأمن الدولي، المنوط به حسب القانون الدولي حماية الأمن والسلام الدوليين.كما أن هناك من المختصين من يرى أن إقامة منطقة آمنة للمدنيين داخل منطقة صراع، أمر لا يمكن التحكم فيه.
وتشير «منظمة هيومان رايتس ووتش» إلى أن المنطقة التي تقترحها تركيا «لن تكون آمنة تماماً»، وقد تنذر بخلق دفعات جديدة من المدنيين المهجرين، في غياب بنية تحتية مناسبة لإيواء هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين العائدين، فضلاً عن المخاوف من حملات تطهير عرقي في المنطقة.
ويزداد الأمر تعقيداً بالنسبة للمثال الأردوغاني، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تورط تركيا المباشر في الأزمة السورية، ودعمها العلني لمجموعات إرهابية عاثت تخريباً في سوريا وما تزال، ما يعني أن أردوغان لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال طرفاً صادقاً في المساعي الرامية إلى حل الأزمة السورية، ووقف نزيف الدم السوري، في ظل التحالف الوثيق بين أنقرة ومجموعات إرهابية، وفي مقدمتها جماعة «الإخوان» و«جبهة النصرة».
إن الخطاب الإعلامي المراوغ لأردوغان، مهما برع في خلق الأعذار والتبريرات، لا يمكنه إخفاء النوايا التوسعية الحقيقة لتركيا في سوريا، ومحاولة النظام التركي تصدير أزماته الداخلية، عبر بوابة الأزمة السورية النازفة، بالتحالف مع حليفته الأكبر الولايات المتحدة، التي تسعى هي الأخرى لتنفيذ أجنداتها ومصالحها الخاصة، على حساب الشعب السوري، ومصالحه الوطنية والقومية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"