عالم مأزوم

05:16 صباحا
قراءة دقيقتين
د.عبدالعزيز المقالح 
 
يعاني العالم في اللحظة الراهنة أزمة مركبة، سياسية واقتصادية وأخلاقية، والكبار في هذا العالم لا يعترفون بالأزمة، ومن ثم لا يتداركون تداعياتها، في حين أن الشعوب الصغيرة التي تطحنها الأزمة تدرك مخاطرها، وتكاد تشعر بنتائجها التي ستجتاح العالم، وتبدأ بالكبار أنفسهم، هؤلاء الذين لا يمتلكون قدراً من الإحساس يجعلهم يسمعون أنين ثكالى الحروب العبثية، وآهات الملايين الذين يتجرعون تبعات هذه الحروب.
 
ومنذ أيام قرأت الحكمة الصينية التالية التي تقول»إن رفرفة الفراشات تحدث أعاصير في المحيطات وأعالي البحار»، فكيف لا يحدث الأنين، ولا تحدث الآهات ما هو أكبر من الأعاصير في أرجاء هذا العالم المأزوم؟ وكيف لا تشعر القوى الكبرى بما سوف تشكّله في المستقبل القريب من آثار مدمرة لا تقف مخاطرها عند حد معين؟
    
إن الاعتراف بالمشكلة - كمل قيل- هو الخطوة الأولى للبدء بحلها، وتجاهلها لا يؤدي  إلى بقائها واتساع دائرة تأثيرها فحسب، بل يجعل من حلها أمراً مستحيلاً. ولعل أسوأ المواقف الراهنة تتمثل في حالة التجاهل المقيت لما يحدث في عدد من الأقطار العربية من اقتتال، ونزاعات، وخروج على قيم التعايش والمواطنة، وما تقوم به بعض القوى الخارجية والإقليمية من تحريض، ودعم، ومشاركة في الانشقاق والحروب، ومن سعي دؤوب لإطالة فصول هذه المحنة، وما يصاحبها من ضحايا، ونزوحات، وانحدار مستوى المعيشة إلى ما دون الحد الأدنى، يضاف إلى ذلك عجز  المنظمات الدولية وما تبديه من سلبية مخجلة، وأحياناً من تعاطف واضح مع الأطراف التي ترفض الانصياع إلى الحلول المطروحة، والهادفة إلى إيجاد حلول مرضية.
  إن الأزمة التي تضرب العالم الآن لا تقف في محيط بعض الأقطار العربية، وإنما هي أشمل وأوسع، إنها أزمة عالمية بكل ما لهذه التسمية من معنى، فلا الغرب في مأمن على نفسه من نفسه، ومن الآخرين، ولا الشرق في مأمن على نفسه من نفسه، ومن الآخرين. وهي حالة تتجاوز ما كان عليه وضع العالم في زمن الحرب الباردة، فقد كان الانقسام على درجة من الوضوح، وكان الاستقطاب على درجة من الوضوح أيضاً. أما الآن فقد تعددت الاختلافات، وضاعت معالمها، وصارت داخل الوطن الواحد، وبين القطر الواحد وجاره، أو شقيقه.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"