مقتنيات نادرة

05:45 صباحا
قراءة دقيقتين
محمد إبراهيم

قادتني زيارة عابرة للجامعة القاسمية بإمارة الشارقة، إلى أهمية الدور الذي تلعبه الحضارة في بناء هوية الوطن والمواطن وانتمائه لتاريخه وتكوينه، وأهمية المحافظة عليها، لاسيما أنها تشكل جانباً رئيسياً لمكونات الشعوب الثقافية، فهي التاريخ الذي يُروى للعالم، ويحكي عظمة وأدق تفاصيل وقائع وحقائق، لم تتغير مهما اختلفت الحياة وتطورت.
استوقفني خلال الزيارة مركز المخطوطات بالجامعة، إذ يحتوي على مقتنيات نادرة جداً لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ويضم أكثر من 1500 مخطوطة أصلية، أقدمها كُتب عام 610 هجرية وخاص بعلوم القرآن «أسرار التنزيل»، وأخرى ترسم تفاصيل حِقْبات تاريخية هامة، في رحلات متعاقبة للتاريخ، فجاءت تجسّد رقي الإنتاج الإنساني وتعزّز وجوده حضارياً.
لم تكن المحافظة على تلك الكنوز والمقتنيات بالأمر اليسير كما يعتقد البعض، ولكن كانت عملية «ممنهجة وصعبة ودقيقة» تجمع الحداثة والعراقة، فهناك قاعة مجهزة بلا نوافذ ولا إضاءة خارجية، فإنارتها داخلية تعمل بأجهزة قياس متخصصة، وتطوّقها نظم حريق تعتمد في تشغيلها على أجهزة مطورة، تسحب الأكسحين وتقلل نسبته إلى 13.8، التي لا تسمح باشتعال أي نيران داخل القاعة، ودرجة الحرارة ثابتة على مدار الساعة، لتمنع وجود الكائنات الحية الدقيقة وتكاثرها، أما دواليب حفظ المخطوطات فهي حديدية، وطلاؤها مضاد للبكتيريا والفطريات، ونسبة رطوبة القاعة لا تتجاوز 50-55%.
هذا بالإضافة إلى أقسام تعقيم المخطوطات، ومختبر الترميم والصيانة، والمعالجة الكيميائية، والتجليد، والتصوير الضوئي، والفهرسة والتصنيف، وجميعها تركز مهامها على المحافظة على أجزاء المخطوطة مهما صغر حجمها، لتبقى أكبر قدر من الزمان تتناقلها الأجيال.
إن اهتمام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، بالحضارة والتاريخ والثقافة، يسطر رسالة سامية واضحة المعالم، إلى أجيال الحاضر والمستقبل، للانتباه إلى أهمية حماية المقتنيات الحضارية والتاريخية الثمينة، لاسيما التي ترتبط بالإسلام ولغتنا العربية ومراحل تطورها، وتعزز في الوقت ذاته مكانة الإمارة الباسمة عاصمة للثقافة والفنون الإنسانية.
أعتقد أن المحافظة على الحضارة والمقتنيات التاريخية، لا تعني الجمود والانكفاء على الذات، في مواجهة تحديات العولمة المتسارعة، بل التركيز على الاستدامة في الحماية والحفاظ على الحضارة ومقوماتها الرئيسية، إذ تشكل ثروة لأجيال اليوم والغد، ولا مانع من الانفتاح على الآخر للاستفادة من تجاربه، لإثراء تاريخنا الثقافي، فالحضارة لا تعيش إذا كانت حصرية، ونعلم أن القتال أيضاً حضارة حين يكون ضد هادمي الحضارة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"