عادي

نحو عروض افتراضية

23:49 مساء
قراءة 6 دقائق
3

 القاهرة: صفوت مدحت

يحتفل العالم يوم 27 مارس/آذار من كل عام ب«اليوم العالمي للمسرح»، من خلال إقامة جملة من الأنشطة والاحتفاليات الخاصة، التي تغيب للعام الثاني على التوالي بسبب انتشار جائحة «كوفيد- 19» وتفشي فيروس كورونا.

وفي حديثهم ل«الخليج»، أكد عدد من المسرحيين أن الكلام عن المسرح في العالم العربي، ليس منفصلاً عن الحديث عن المسرح في أغلب أرجاء العالم، فالأوضاع متشابكة ومعقدة على نحو عالمي، وتكاد الأزمة تكون واحدة، وليست بعيدة عن بعضها.

المخرج الكبير أحمد إسماعيل يرى حال المسرح العربي، تعيس في جوهره ومتواضع للغاية، وما نراه حالياً مجرد تظاهرات مسرحية، في صورة مهرجانات أو مؤتمرات، ونفتقد منذ سنوات طوال في معظم بلداننا مشروعاً مسرحياً، نظرًا لافتقادنا بالأساس لمشروع ثقافي يجذر للمسرح، ولا تكاد تتجاوز المشاريع القائمة السطح، من دون التفكير في أغلب الأحايين استراتيجيات تنموية ثقافية طويلة الأمد.

الدليل على ما ذهب إليه إسماعيل «وجود آلاف من الفرق المستقلة في الكثير من بلدان العالم العربي، تعمل في ظل ظروف شاقة، دون وجود مشروع يتبنى هذه الفرق الناشئة، على الرغم من كونها الأمل في أن تقوم بنهضة مسرحية معقولة».

وبمناسبة اليوم العالمي للمسرح، يبين إسماعيل صاحب مشروع مسرح «الجرن» أن حال العروض في العالم بأسره، تختلف عند المقارنة بين الفرق العربية والغربية، ففي أوروبا تجد الفرق وعلى نحو أسهل جهات عدة للرعاية، فضلًا عن اعتبار المسرح «ظاهرة اجتماعية» ويُكرس له منذ بدايات التعليم كجزء من النشاط المدرسي.

ورأى أنه قد يبدو أن أزمة كورونا قد جاءت لدى البعض «على الطبطاب»، ليبرر من خلالها تقليص عروض المسرح المتقلصة أصلًا، واتخذت الجائحة من قبل البعض كذريعة لزيادة تراجع الإنتاج وتعميق أزمة الفنون.

وأوضح إسماعيل أن «البعض لا يدركون الأهمية الإنسانية والحضارية للمسرح، وتحضرني مقولة العالم النفسي الكبير مصطفى سويف عن الفنون والثقافة»، وأنها «تدعم إحساسنا بجدارتنا الإنسانية»، وهي التي تنمي التسامح وتعلي من شأن الإنسانية، وتغذي حب الخير، وتصل بنا إلى البهجة، التي يمكن أن نعتبرها مدخلًا لبناء إنسان سليم نفسياً وبدنياً وعقلياً».

عبء الميزانية

في المقابل، يرى الشاعر والمؤلف المسرحي أحمد سراج أن ««أبوالفنون» يحاول أن يكمل طريقه على الرغم من صعوبات متعددة، فالعرض المسرحي يحتاج إلى حضور جماهيري وهو ما تمنعه كورونا وتبعاتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية، والعروض المسرحية المتلفزة حل جيد، لكنه تحول إلى وباء لاقتصارها في العالم العربي على عروض استجداء الضحك دون اهتمام بعناصر العرض أو النص».

ويستدرك مؤلف مسرحية «فصول السنة المصرية»، «هناك محاولات مستمرة على خشبة المسرح، لكن في مصر يسيطر عليها إعادة عروض قديمة أو عرض نصوص العلاقات العامة، ويمكنك أن تتابع أسماء مؤلفي النصوص لعروض المسرح المصري على مدار أربع سنوات، ستجد أن نصوص النقاد والأكاديميين والصحفيين تأكل التورتة كاملة».

أما أزمات المسرح أو مشكلاته فيعددها سراج في «قلة دور العرض، وتجديدات المسارح، وندرة الجمهور، وحجب النصوص الجيدة، وفتح الأبواب لكتاب محددين ومخرجين بعينهم، وضعف الإمكانيات، هذه مشكلات لا يمكن إنكارها، لكن هناك مشكلة جبارة وهي كثرة عدد الموظفين قياساً بعدد الفنانين، وهذا يؤدي إلى تآكل الميزانيات المخصصة للعروض وذهاب الموارد إلى غير أماكنها، أضف إلى ذلك أن الفن في مصر وظيفة، فتجد الفنان يتقاضى راتباً شهرياً من دون أن يقدم عروضاً وحين يتم تكليفه بعرض يطلب مبلغاً كبيراً غير راتبه. وهذه مشكلة مزدوجة فالفنان يحصل على راتب يراه هو قليلاً، لكنه عبء على ميزانية المسرح».

ويتابع: «أفادت كورونا المسرح المصري لأنها جعلت الجميع يفكر ألف مرة قبل تقديم أي عرضة للخشبة؛ فمع ضغط الميزانيات وإجراءات التقشف، قلت عروض الأصدقاء والمحاسيب، فلم نعد نرى المخرج مؤلفاً في عرض ومخرجاً في عرض، لكن المشكلة قائمة. نحن لا نعرف كيف يتم اختيار النصوص المعروضة. ما أود قوله هو ضرورة إعلان طريقة محددة لتلقي النصوص وآلية تحكيمها ومحددات عرضها، وإعمال الشفافية ولو قليلاً؛ فلا تزال بعض الفرق تنشر أن عروضها (كامل العدد) والحقيقة أنه لا أحد يعلم بها».

مشاهدة رقمية

ورأت الكاتبة المسرحية نهى صبحي، أنها لا تسطيع التعامل مع أزمة المسرح في معزل عن أزمات المجتمع ككل، الأمر الذي يدفعها إلى أن تتوقع بأن يشهد العالم المزيد من البدائل الرقمية، التي ستقدم أعمالًا مسرحية، ربما تغير من مفهوم المسرح الذي جرى تكريسه خلال الألفي عام، أي أننا سنصبح أمام شكل جديد لا يتطلب التوجه إلى قاعات العرض، بعد توافر «المشاهدة الحية» في غرف معيشة الجماهير.

وترى المؤلفة الحاصلة على جائزة أحسن كتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020، أن «التوصل إلى حلول مبتكرة، وشكل مغاير للمسرح عمّا اعتدناه ليس نوعاً من التجريب أو الرفاهية، بقدر ما أصبح ضرورة بخاصة في حال مد أجل أزمة كورونا وطول فترة اتباع الإجراءات الاحترازية، وإلا أن يكون البديل هو أن يعيش صناع الفن مرحلة حرجة في حياتهم، بسبب تعثر أعمالهم الفنية، وهي أمور لا تحمد عقباها».

أزمة إنتاج 

من جهته، يبين الشاعر والمؤلف المسرحي محمد السيد إسماعيل، أن الأزمة لا تتعلق بالنصوص المسرحية، «فعندنا كتاب مسرح مجيدون سواء المسرح النثري أو الشعري، وهناك كاتب مسرح يكاد يكون راهباً في محرابه ولا يلتفت إليه أحد هو السيد حافظ وهناك أيضاً الكاتب المسرحي المتميز سامح مهران ناهيك عن كتاب جيلي مثل سعيد حجاج وإبراهيم الحسيني».

ويضيف مؤلف مسرحية «زيارة ابن حزم الأخيرة»، أن عدم التوقف أمام النصوص الجيدة يعود إلى «الامتناع التام من دور النشر الخاصة عن نشر المسرح اللهم إلا على نفقة الكاتب المسرحي، وهو عبء كبير، أما دور النشر الحكومية فليس أمام المسرحي إلا الانتظار الذي قد يصل إلى خمس سنوات. وهي حالة لا تبشر بخير».

ويشدد «الاهتمام بالمسرح ضرورة وعليك أن تنتبه إلى اعتماده على الحوار والجدل العقلي وتعدد الرؤى وهي أشياء يفتقدها العقل العربي الذي أصبح تكفيرياً أو مخوناً لكل من يخالفه. المسرح نوع من التربية، يعودك على أن تقول وتسمع، أن تقول وأن يقال لك، وهي قيم ينبغي أن تكون حاكمة لنا في علاقتنا بالآخر المختلف دون تكفير أو تخوين».

أما عن عودة مسرح القطاع الخاص وهو ما يضع مسرح الدولة في منافسة قوية قال مؤلف مسرحية «رقصة الحياة» «لست ضد المنافسة بشرط أن تكون منافسة في تقديم نصوص متميزة وخالقة لوعى عام مستنير، وأرى إهمالًا كبيراً للفن شأنه شأن أشياء كثيرة، ولابد أن نتجه إلى الصناعة الثقافية الثقيلة، هذا هو الحل».

المهرجان التجريبي

الكاتب المسرحي سليم كتشنر، أوضح أن للأزمة وجوهاً عدة منها «فقدان البوصلة بمعنى الاختيار السيئ للجان القراءة وعدم قدرتهم على فرز الجيد من الرديء، الثمين من الغث، إنها كارثة بكل المقاييس لأنهم يتسببون بفقدان المبدع الثقة في إبداعه ويعطون الثقة لمن لا يستحقها».

ويحمل مؤلف مسرحية «لو كان قلبي معي» المهرجان التجريبي جزءاً من مسؤولية الأزمة، «لست ضد المهرجان لأنه يطلعنا على مناهج جديدة في المسرح، لكنني ضد المخرجين المراهقين الذين يهتمون بالشكل على حساب المضمون، يقلدون العروض الأوروبية من دون وعي، يصنعون شكلًا مبهراً يحتالون به على الجمهور وبعض النقاد ولا يصبح للمضمون قيمة في المسرح وهؤلاء لا يلجأون إلى نصوص مكتوبة، بالتالي يتعرض المؤلف إلى التهميش والنصوص تصبح سلعة راكدة ويتوقف الكتاب المجيدين عن الكتابة».

أما أحد جوانب الأزمة فيتمثل في أجور كتاب المسرح بالقياس على أجور كتاب السينما والمسلسلات، «أجور مذلة ولا تشجع موهبة حقيقية أن تختار الطريق الوعر للمسرح، بالتالي تركه لأنصاف المواهب، كل هذه الأوجه تحتاج إلى مراجعة».

منافسة شرسة 

أعرب سليم كتشنر، عن مخاوفه بشأن مسرح الدولة في مصر «الخوف كل الخوف أن يستمر بهذا المستوى أمام منافسة شرسة مع مسرح القطاع الخاص الذي سيسود بكل تسطيحه، والأجيال الجديدة مظلومة لأنها لا ترى سوى هذا النوع من المسرح ومعرفتها بالمسرح الحقيقي ستكون معدومة والوضع كله لا ينبئ عن نتائج تدعو إلى التفاؤل».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"