من العراق إلى سوريا . . الأكراد يكسبون

05:05 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمود الريماوي
في الحرب المفتوحة مع تنظيم "داعش" الإرهابي، فإن تحرير مدينة عين العرب السورية الكردية في ريف حلب المحاذي لتركيا، يشكل بداية تحول في هذه المواجهة باتجاه هزيمة هذا التنظيم الهجين، الذي أمكن إخراجه أيضاً من عدد من القرى في ريف حلب على أيدي مقاتلين أكراد . وقد تحقق هذا الانتصار بتضافر الحملة الجوية لقوات التحالف الدولي، مع الحرب البرية التي خاضها الأكراد السوريون والعراقيون بدعم من مجموعات سورية مسلحة .
تحرير المدينة الكردية أثار فرحة عارمة لدى أكراد سوريا والعراق وتركيا ومن حق الأكراد أن يفخروا بانتصارهم على تنظيم متوحش ودخيل، في معركة باسلة دامت زهاء أربعة أشهر، البهجة بهذا الانتصار امتدت إلى العراق إذ أنعش هذا التطور الآمال بهزيمة هذا التنظيم الإرهابي الذي ما زال يسيطر على الموصل في الشمال ثاني مدن العراق منذ يونيو/حزيران الماضي، إضافة إلى مناطق أخرى وسط وغربي البلاد، علاوة على سطوته الباقية على مدينة الرقة السورية شرق البلاد منذ نحو عشرين شهراً، وأجزاء من دير الزور وريفها .
من المفارقات في ردود الفعل على هذا الحدث أن كلاً من أنقرة ودمشق كانت الأقل ترحيباً بهذا التحول . فالطرفان يراقبان بقلق انتعاش الآمال الكردية بإنشاء إقليم حكم ذاتي في المناطق الكردية شمال غرب سوريا (تضم القامشلي والحسكة وعفرين وعدد من القرى إضافة إلى عين العرب) بما يعنيه ذلك من انسلاخ عملي عن الكيان السوري، كما هو الحال في العراق مع إقليم كردستان .في الشمال، وقد عبر مسعود البرزاني رئيس الإقليم عن الابتهاج بهذا الحدث الذي يقرب الأكراد من حلمهم التاريخي . تركيا أعلنت صراحة على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان أنها لا توافق على إنشاء إقليم كردي في شمال سوريا يتسبب في وقوع مشاكل كبيرة في المستقبل . وكانت تركيا أحجمت عن المشاركة المباشرة في الحملة الدولية لتحرير عين العرب لكنها سمحت بدخول قوات البيشمركة عبر أراضيها لدعم المقاتلين الأكراد . واقع الحال أنه منذ بداية الأزمة السورية غضت دمشق النظر عن اندفاع الأكراد في مناطقهم لإقامة ما يشبه حكماً ذاتياً، وذلك بهدف تحييدهم، وقد أبدى الأكراد السوريون ارتياحهم لذلك، وخاضوا مناوشات ومواجهات مع بعض قوى المعارضة المسلحة، غير أن الأكراد كانوا منقسمين وما زالوا بين أكثر من تيار، إذ إن لديهم ممثلين لدى المعارضة السورية وبعضهم شارك في اجتماعات موسكو الأخيرة وبعضهم الآخر يتمثل في الائتلاف المعارض . لكنهم يتفقون على حلم إقامة كردستان الكبرى . وقد لوحظ أنه مع اشتداد المعركة في عين العرب ومشارفتها على نهايتها لمصلحة أبنائها الأكراد فقد نشبت مواجهات دامية في الحسكة خلال الأسابيع القليلة الماضية بين قوات كردية وأخرى نظامية .
تركيا من جهتها ولقرب مناطق الأكراد من حدودها تخشى من مفاعيل التواصل الجغرافي على الكتلة لكردية في أراضيها . بحيث تنتعش معنويات هؤلاء وتعدادهم يتراوح بين 15 و18 مليوناً وبما يحفزهم على المطالبة بمزيد من الحقوق، وقد بدا تفاعل أكراد تركيا كبيراً مع عملية تحرير عين العرب وسبق أن سيروا مظاهرات تطالب بتدخل تركي إلى جانب أكراد سوريا وهو ما لم يحدث وقد تم قمع هذه المظاهرات والاحتجاجات بقوة أدت إلى سقوط أعداد من القتلى . والتساؤل المثار الآن هو ما إذا كان سينشأ بالفعل إقليم كردي في سوريا على غرار العراق؟ بصرف النظر عن الآمال المعلنة والتلميحات القوية بخصوص ذلك، فلا شك أن كياناً أولياً سوف ينشأ على الأرض . فليست هناك قوة أخرى مستعدة للدخول إلى المناطق الكردية وفرض سيطرتها عليها، وذلك بعدما تمتع به المقاتلون من خبرات عسكرية في مواجهتهم الشرسة مع "داعش"، وفي مواجهات خاضوها مع قوات نظامية وأخرى معارضة . وما توفروا عليه من أسلحة ومعدات تم اغتنامها في المواجهات، أو تم نقلها إليهم عبر قوات البيشمركة .
هكذا، فإن الظروف تخدم الحركة الكردية، وسابقة العراق على وشك أن تتكرر في سوريا رغم ما يبدو من اختلاف المشهد . فقد رعى التحالف الدولي تمتع الأكراد بحكم ذاتي كامل في العراق وها هو تحالف دولي مشابه يرعى تحرير مدينتهم عين العرب . والراجح أن الدعم العسكري سوف يترجم برعاية سياسية لا سيما أن الحركة الكردية تتسم بالمبادرة والخبرة في اقتناص الظروف الملائمة . وحسن استغلالها . ولنا أن نتذكر أن التدخل الدولي ضد "داعش" في العراق صيف العام الماضي، تجسد في دعم للأكراد الذين كانت مناطقهم مهددة بالاستباحة في شمال العراق . وها هم أكراد سوريا قد تمتعوا بدعم دولي بدورهم .
لا تملك تركيا توسيع رقعة خلافها مع الغرب والوقوف ضد المطامح الكردية في سوريا، واعتراض من مثل هذا سوف يؤجج مشاعر أكراد تركيا، ويثر متاعب داخلية شديدة لحكومة أنقرة التي تواجه معارضة متنامية . فيما الحكم في دمشق الذي يخوض حملات عسكرية متعددة الجبهات تستنزف قواه، لن يغامر بفتح جبهة جديدة وضد مناطق أسهم التحالف الدولي مساهمة مباشرة في تحريرها . كذلك الأمر بالنسبة للمعارضة السورية المسلحة فهي بدورها مستنزفة وقد أسهمت أطراف منها في المعركة إلى جانب الأكراد المقاتلين، لكنها لا تملك مباركة الطموحات الكردية مما يثير نقمة الحليف التركي لهذه المعارضة، علاوة على الخشية من الوقوع في محذور تشجيع نزعات انفصالية تؤدي إلى سلخ أجزاء من الوطن عن الكيان السوري .
أما الأكراد فهم تكراراً باتوا بارعين في جني المكاسب السياسية، مع الاستعداد لبذل تضحيات هائلة في سبيل تحقيق أهدافهم . وهو ما فعلوه .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"