الإرادة السياسية لشعب فلسطين

03:21 صباحا
قراءة 4 دقائق

لو عدنا بتاريخ القضية الفلسطينية تسعين سنة إلى الوراء، وألقينا نظرة بانورامية شاملة على المسيرة العامة للقضية، لخرجنا بملاحظة أساسية تؤكد لنا دون تردد ودون افتئات على حق أحد ممن تناوبوا على سدة القيادة الفلسطينية، والتعبير عن الإرادة السياسية لهذا الشعب، طيلة العقود التسعة المنصرمة الحافلة، تؤكد أن الحصيلة العامة لهذه الإرادة السياسية، كما كانت تعبر عنها النخب الاجتماعية لمختلف الفئات الاجتماعية لهذا الشعب، على مر التقلبات الهائلة التي مرت بها القضية، كانت دائماً، أرقى من خلاصة الإرادة السياسية كما كانت تعبر عنها قيادات هذا الشعب، وكما كانت تمارس القيادة باسمها.

بعبارة أخرى، نستطيع القول الآن، وبعد مرور تسعة عقود أو عشرة، على بدء الحراك السياسي الفعلي في إطار القضية الفلسطينية، أي منذ بروز الأخطار الحقيقية للمشروع الاستعماري الصهيوني بالاستيلاء على أرض فلسطين، وتحويلها لصالح ذلك المشروع، بعد تطهيرها عرقياً من سكانها الأصليين، أن شعب فلسطين لم يوفق في أي مرحلة من المراحل بقيادة تتماهى مع مستوى الإرادة السياسية كما كان يعبر عنها مجموع فئات المجتمع الفلسطيني، نظرياً وعملياً.

إن الخط البياني العام الدائم الانحدار للقضية، في محصلته العامة، والخط البياني لكل مرحلة من مراحلها، هما الحجة الدامغة الكبرى، التي تغنينا في هذا المجال عن أية حجة تفصيلية، تتعلق بأي مرحلة تفصيلية من مراحل المجرى العام للقضية.

يكفي أن تقارن أين كانت القضية قبل قرن من الآن، أو قبل عقود تسعة، وأين أصبحت الآن.

يخطر ذلك بالبال، وتسيطر على الذهن النتائج السياسية والتنظيمية العملية التي خرج بها مؤتمر فتح السادس.

فالعبرة بالنتائج الميدانية، كانت دائماً، هي الأقوى، بل كانت دائماً هي وحدها صاحبة القيمة النهائية، إذا ما قورنت بقرارات عشرات المؤتمرات، وعشرات الوثائق الأساسية والفرعية التي صدرت عن هذه المؤتمرات.

ويكفي أن نستذكر في هذا المجال بالذات، مجال الوثائق العامة، والمستوى العالي الذي خرجت به منذ مدة وثيقة الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو الإسرائيلي، وعدم تمكن هذا المستوى من أداء أي دور في تحقيق الهدف المنشود من الوثيقة، وهو استنباط حالة جذرية من الوحدة السياسية لمجموع المنظمات والقيادات الفلسطينية في المرحة الراهنة، فإذا بالوثيقة توضع على الرف، وإذا بالأسرى الذين عبرت الوثيقة عن إجماع إرادتهم السياسية في لحظة تاريخية حساسة، يبقون في الأسر، لا يسمع أحد صوتهم، ولا يتمتعون بأي أمل في خروج وشيك من ظلم الأسر إلى نور الحرية. بل إن الأمور تتطور إلى ما هو أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل صدور الوثيقة، فيزيد عدد الأحد عشر ألف أسير فلسطيني في سجون العدو، آلافاً أخرى من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، ولكن في سجون اخوتهم، في فتح في الضفة الغربية، أو في حماس في قطاع غزة.

إن اللحظة التاريخية الراهنة للقضية الفلسطينية مشحونة إذا ما ابتغينا الصراحة الموضوعية الجارحة مع النفس أولاً، بمؤشرات أشد مرارة من ذلك.

ففي الوقت الذي يولد فيه أمل عام بأن يكون مؤتمر فتح السادس، تعبيراً عن صحوة ضمير نضالية واعدة، في قطاع محدد من قطاعات النضال الفلسطيني، إذا بالإدارة السياسية المهيمنة على الضفة الغربية ترفض الإفراج عن معتقلي حماس في الضفة، تشجيعاً على خطوة مقابلة في غزة، تشمل معتقلي فتح في قطاع غزة، وتتيح لأعضاء مؤتمر فتح السادس المقيمين في القطاع، التمتع بحرية الانتقال والمشاركة في أعمال المؤتمر، وهي للأسف الشديد الحرية النسبية التي كانت سلطات الاحتلال أذكى منا جميعاً فسمحت بها لجميع أعضاء المؤتمر، القادمين من أي بقعة من العالم، وليس من غزة فقط.

ومن المؤكد، أنه لو كانت الإرادة السياسية الجماعية لمجموع عرب فلسطين، الموزعين في كل بقاع الأرض، تمارس سلطة سياسية بما يعبر عن مستوى الوعي الحقيقي والعميق لديها، لو كانت هذه الإرادة بيديها مقاليد الأمور في الضفة الغربية وفي غزة، لما كان هناك مجال لوجود أي معتقل فلسطيني لدى أي طرف فلسطيني آخر من الأساس، ولأتيح لمؤتمر فتح أن ينعقد في أي بقعة فلسطينية، بحرية كاملة في التنقل والمشاركة، حتى لو في قطاع غزة نفسه، وليس في بيت لحم، مع أن الموقعين خاضعون في حالتهما العامة لسلطة الاحتلال، سوى أن الاحتلال هنا مباشر، وهناك غير مباشر.

ألا يستحق شعب فلسطين، وألا تستحق قضية فلسطين، صحوة ضمير شاملة ونهائية، تقفز دفعة واحدة فوق كل تفاصيل هذا الواقع الفلسطيني المهترئ، الذي تكاد معه القضية أن تتسرب من بين أصابعنا جميعاً، صحوة يخرج منها قرار وطني جامع باستعادة منظمة التحرير، ليس في عبارة إنشائية فارغة في أي وثيقة لا قيمة تغييرية حقيقية لها، ولا حول لواضعيها ولا قوة، بل كمنظمة أم، تتيح بعض نفض وعصرنة مؤسساتها، بما يليق بالقضية وبالعصر، لكل العناصر الحية من كل تجمعات الشعب الفلسطيني أينما وجدت هذه التجمعات، برفع مستوى الإرادة السياسية للمؤسسات الفلسطينية القائدة، إلى مستوى المجتمع الفلسطيني، الذي أثبت أنه كان أرقى من قياداته وأوعى على مر العصور؟

لا يبدو في الأفق الملبد حل آخر للخروج من الأزمة القاتلة، حتى لو حدثت المعجزة، وصدر غداً إعلان عن التوحد بين فتح وحماس، على استراتيجية نضالية موحدة، وهي معجزة تبدو على كل حال أبعد من الأحلام على أرض الواقع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"