غرباء في وطننا

04:57 صباحا
قراءة 3 دقائق

في بعض الأيام نكون أكثر مما في أيام أخرى عرضة للأحداث، لردات الفعل أو حتى لكلمات تثير غضبنا . ولذلك أسباب كثيرة، لكن الشعور الذي ينتابنا واحد؛ الشعور بالصدمة والتعبير عن الانزعاج الذي يطيح في ميزان نهارنا كله . ولا يهم من تكون، فأنا أؤكد لك أنك تتعرض لمثل هذه المواقف ولو لمرة واحدة على الأقل في حياتك، وترى الناس يتصرفون معك بلا مبالاة، وبتردد، ويصدرون ضدك الأحكام وليست تصرفاتهم هذه سوى لأنك من الطرف الآخر، ولأنك من الأقلية، ولأنك لا تنتمي إلى المألوف .

الإمارات العربية المتحدة بلاد تفخر بتنوع ثقافة سكانها، والمواطنون الإماراتيون معروفون بترحيبهم الدائم وتبني المواقف إزاء التدفق المستمر للوافدين الجدد . والمفارقة أنه لا يمكن القول نفسه عند الحديث عن مواقف بعض الوافدين المقيمين في الدولة .

وكوني مواطنةً فأنا أتكلم من واقع خبرة شخصية عندما أقول إني تعرضت لنظرات شزر لا نهاية لها، وإني كنت موضوعاً لأحاديث هامسة كثيرة وأنا أتنقل بين عدد من مراكز التسوق المختلفة في البلد . وصحيح أننا نحن الإماراتيين نمثل أقلية في وطننا، لكن ذلك ليس سبباً لمعاملتنا بمثل هذه الطريقة بأي حال من الأحوال .

إن هذا العدد الضخم من الوافدين جعل كثيراً من المناطق ومراكز التسوق محرمة على المواطنين، ولكثير من ساكنيها حتى أصبحت رؤيتهم فيها نادرة، لأنها مدعاة للملاحقة بعيون التطفل . وعندما يكتشف المواطن مكاناً جديداً مبهراً، يتسكع فيه بدافع الفضول فإنه يعامل كمخلوق غريب، وفي أحيان كثيرة لا يرحب به . وبمجرد أن ينتبه إليه الزبائن في المحلات أو المطاعم تراهم يتفحصونه بنظراتهم فيشعر بالانزعاج فوراً، كما أن ملابسه الوطنية تبدو كأنها تثير سخطهم وتقلق راحتهم .

ويشعر المواطن أن العيون تطارده وأن هؤلاء المراقبين يشرئبون للمواجهة . وإذا ما استقر بالمكان وشعروا أن وجوده ليس نهاية عالمهم الذي يتصورنه، تبدأ الأمور بالعودة إلى وضعها الطبيعي، وقد انتهى الحدث، أو لعله كذلك؟ ولكنه لم ينته تماماً بالنسبة للمواطن فثورة مشاعره تبقى متأججة طوال يومه لتغرقه بسيل من الأسئلة ودفق من التبريرات جاهداً كي يجعل لهذا التعرض التافه معنى .

ولسوء الحظ، فإن هذه القضية ليست محصورة في النظرات والهمسات فقط، فقد تعدت ذلك لوضع قوانين أيضاً! فيمكن لبعض المطاعم في إمارات بعينها أن تمنع المواطنين الذين يرتدون ثوبهم الوطني من دخول المكان . فاسمحوا لي الآن أن أقول إن أمراً كهذا لا يصح .

هل يمكنكم أن تتخيلوا مثلا أن رجلا أسكتلنديا في أسكتلندة يمنع من دخول مكان ما لأنه يرتدي الزي الوطني الكلت، أو أن تطرد امرأة يابانية في اليابان لأنها ترتدي الكيمونو، أو تمنع النساء الهنديات من دخول مطعم لأنهن يرتدين بفخر زيهن الوطني الساري أو القرطاس؟ إن هذا لا يمكن حتى التفكير فيه بغض النظر عما فيه من إهانة .

لا بد أن تسن القوانين التي تمنع المؤسسات من فرض قوانينها كالتي تطبق على أرض الواقع والتي تجسد تفرقة عنصرية محضة بالنسبة للمواطنين وتقاليد البلد التي نعتز بها . فكيف نقاتل من أجل حقوقنا في عدم ممارسة التمييز العنصري ضدنا في بلاد العالم الأخرى بينما نسمح بمثل ذلك في بلادنا؟

لا أحد يحب أن يشعر كأنه غريب في وطنه، أو أنه غريب في عالمه . إنه من المعيب أنها قد أصبحت ظاهرة متنامية في الإمارات العربية المتحدة، وقد خبرها كثير من المواطنين في أوجه حياتهم كلها، في مكان العمل، أو في وقفة عند مطعم، أو حتى في الحدائق العامة .

إنه لشعور حزين ينتابني عندما أواجه بمثل تلك الالتفاتات والعيون المحدقة! وكلما رفد ذلك الشعور بالغضب من التفرقة العنصرية التي أعامل بها فإنه ينتابني الشعور بالحزن من جديد . إنه الحزن ؛ لأننا نرحب بهم، ونتبنى مواقفهم، ونتكلم معهم بلغات الأرض عدا لغتنا، ونعمل جاهدين ليشعر كل ساكن أنه في بيته، ولكن مع كل نظرة شزر يصبح الثمن ألماً واضحاً .

وهو حال طالما تحدث عنه وحذر منه جيل الآباء حينما كانت بوادره تلوح أمام أعينهم، ويقرأون دلالته من مؤشراته، ومن أجل الحيلولة دون ذلك عملوا جاهدين من أجل ألا نصل إلى مستقبل نغدو فيه كما نجد أنفسنا الآن غرباء في وطننا .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"