الحروب الصهيونية الدورية إلى متى؟

05:43 صباحا
قراءة 4 دقائق
هدنة قصيرة أم طويلة؟ هدنة إنسانية أم وقف إطلاق نار بين تل ابيب والمقاومة؟ هدنة مكفولة برعاية خارجية أم هدنة بغير شروط؟ الأمم المتحدة وأطراف دولية وإقليمية عديدة، انشغلت خلال الأسبوعين الماضيين، وبعد اتساع نطاق الاستهداف الصهيوني للمدنيين في غزة بمحاولة التوصل إلى حل مؤقت للحرب على غزة، بعدما باتت حملة الإبادة تثير مشاعر الحرج لدى القوى الغربية المؤيدة لتل أبيب، وهي حملة ذات منحى إرهابي صريح، فنتنياهو يستهدف عرباً فلسطينيين مدنيين مسلمين ومسيحيين بصفاتهم هذه وليس بأي صفة أخرى رغم كل جهود التدليس التي تمارسها حكومة نتنياهو بالادعاء أنها تكافح إرهاباً . منذ 66 عاماً نشأ الكيان الصهيوني بالإرهاب الخالص، وها هو هذا الكيان يثبت بلا انقطاع أنه وفي لنشأته ومرتبط بها ارتباطا لا فكاك منه، ما دامت العقيدة الصهيونية العنصرية هي التي تحكم أداء هذا الكيان .
وإذ تخفق قوى دولية أو تتمنع عن وصف الأشياء كما هي عليه، وتبني على الوصف مقتضاه، فإن هذا الإخفاق المديد في تسمية الجناة وتحديد جناياتهم الكبرى، سرعان ما يمتد إلى الاستنكاف عن شمول محنة غزة بنظرة سياسية تأخذ في الاعتبار خصوصية الوضع في القطاع، فالاحتلال الصهيوني انسحب من داخل القطاع في العام ،2000 لكن هذا الاحتلال منح نفسه حق فرض حصار بحري وجوي وبري على القطاع، ولهذا بقي القطاع محروما من ميناء تجاري على البحر، فيما يتاح للصيادين (وهم أصحاب مهنة عريقة) مزاولة مهنتهم المتوارثة على الشاطئ تقريباً من دون أي عمق يذكر في مياه البحر المتوسط . كذلك الامر فإن القطاع محروم من مطار مدني ييسر حركة السفر والانتقال من القطاع وإليه . وفيما يسيطر المحتلون على حاجز بيريز البري مع الضفة الغربية المحتلة، فإن المحتلين يراقبون معبر رفح على مبعدة كيلومترات قليلة، ويهددون حركة الدخول والخروج منه في أي وقت . علاوة على "الحق" في اجتياح القطاع ساعة يشاؤون، ثم قضم بعض الأراضي لإنشاء منطقة عازلة تلو أخرى ومن طرف واحد في عمق القطاع وليس على الجانبين .
من يتابع التقارير الإخبارية والتصريحات السياسية لزعماء غربيين يثور لديه الانطباع بأن الحرب المتجددة تشتعل بين جيشين، أو حتى بين دولتين نتيجة خلافات ومنازعات حدودية، أونتيجة مناوشات تجري على الحدود بين الجيش الصهيوني وجيش المقاومة ولا تلبث أن تتسع وتتحول إلى حرب! والحلول تتراوح بين هدنة قصيرة وأخرى طويلة، مع تقييد حق الفصائل في التسلح الدفاعي، وإبقاء هذا الحق متاحاً بصورة مطلقة للجانب الصهيوني . أما مجلس الامن وعموم هيئات الأمم المتحدة فيناط بها أدوار إنسانية في مجال الإغاثة، ولا يلوم المرء المنظمة الدولية على قصر جهودها على الجانب الإنساني، فهذا هو الهامش المتاح لها التحرك فيه بغير موافقة مشروطة مسبقة من الخمسة الكبار، فيما الحلول السياسية لا مكان لها، لأن تل أبيب وواشنطن ترفضان ذلك وتمالئهما فيه لندن وباريس، أما موسكو وبكين فلا تتوقفان عند هذه المشكلة "الصغيرة"، ولا تُعيرانها اهتماماً يذكر، وحق المدنيين في الحياة وفي الحماية لا محل له في الأدبيات الروسية والصينية .
على هذه الصورة غابت وتغيب الرؤى السياسية لمعالجة هذا التحول الخطير . وتحلّ بدلا منها معالجات قصيرة الأمد، آنية ومؤقتة، تتجاهل جذر الصراع ومسبباته الفعلية وهو ما يتيح للعدو الصهيوني طمس الطابع الحقيقي للصراع، والمتمثل في كون الاحتلال يتخذ طابع حصار شبه شامل على القطاع، فيما الشطر الآخر من الوطن (الضفة الغربية) ما زال يرزح تحت احتلال الحكومات المتعاقبة ومنها حكومة نتنياهو، وأنه بدون رؤية نهاية للاحتلال الاستيطاني والعسكري، فإن الصراع سوف يستمر حُكماً لعقود طويلة اخرى وربما لقرون مقبلة .
يتجاهل سياسيون غربيون وحتى بعض السياسيين العرب، أن الحروب الصهيونية الدورية ومنها الحرب الحالية على غزة، ذات هدف جوهري يتمثل في تقويض أية فرص لحلول سياسية جدية وطرحها جانباً، وإطفاء أي اهتمام بها، والاحتكام بدلاً من ذلك إلى السطوة المسلحة والغزو الاستيطاني وفرض الوقائع على الأرض، وتغطية ذلك بمفاوضات مفتوحة لا مرجعية دولية لها، ولا ضمانات ولا ضوابط، وبهذا يتم إطباق الاحتلال على الضفة، وإدامة الحصار على غزة، وفصل الشطرين عن بعضهما بعضاً، ونزع أي سلاح بأيدي الرازحين تحت الاحتلال، تحت طائلة التصنيف بالإرهاب، وعدا ذلك فإن
الكيان الصهيوني جاهز "للدفاع عن نفسه" بشنّ حرب استئصالية على المدنيين والمرافق المدنية، وما تيسر من مقاومين مسلحين .
كل ما تقدم لا ينفي الحاجة إلى هدنة ما تنقذ آلاف المدنيين من الوحشية الصهيونية المتمادية، وتوفر فرص الإغاثة والإيواء، وتسمح للرأي العام الإنساني بالاطلاع على "إنجازات" نتنياهو وجيش الاحتلال، علماً بأنه قد تم حظر دخول المراسلين إلى القطاع تحت عنوان العجز عن حمايتهم .
ويبقى أن الربط بين أي هدنة محتملة تتعدى هدنة ال 24 ساعة، وبين الحاجة الماسة للشروع في مقاربة سياسية للأزمة، هو ما يستحق أن تنعقد عليه الجهود العربية والفلسطينية خلال الأمد القصير، وبما ينزع عن الطرف الصهيوني فرصة الاستفراد بالقطاع وأهله ساعة يشاء واستهداف الأحياء ومظاهر الحياة فيه .

محمود الريماوي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"