إذاً . . "الحب والمدينة"

04:39 صباحا
قراءة 4 دقائق

وأخيراً ها هي الإعلانات في الأسواق تروج للفيلم المنتظر، الذي إن شئنا اعطيناه حسب ما نراه مناسباً عنوان الحب والمدينة (كي يكون متلائماً أكثر مع خلقنا) والفيلم الذي يتكشف عن مغامرة جديدة لمجموعة من الفتيات لم يصور في العاصمة أبوظبي لكنه سوف يعرض فيها على أنه صور فيها، وكأن بطلته كاري حملت على بساط الريح من مدينة نيويورك مع صديقاتها لقضاء أسبوع مدفوعة تكاليفه كافة في أبوظبي، اجازة ممتعة يتخللها ركوب جمال واسترخاء بجانب برك الترف، وصولاً إلى النوادي الليلية حيث الرقص الشرقي يوحي بالكثير . هذه بعض من المشاهد التي نراها في الفيلم .

كان من المقرر مبدئياً أن يتم تصوير الفيلم في دبي، ولكن فريق العمل لم يتمكن من الحصول على تصريح بذلك بسبب العنوان الذي يحمله الفيلم، فما كان منهم إلا أن رحلوا حاملين معهم عدتهم وعتادهم ليصوروا مشاهده في المغرب ثم يدعون بعدها أنهم فعلوا ذلك على أرضنا وتحديداً في عاصمتنا أبوظبي .

وكان رفض تصويره في بلادنا، وغيابه عن دور العرض فيها محاولة من دولة الإمارات العربية المتحدة للحفاظ على هوية الدولة . ولقد تمتع النقاد والمهاجمون في الغرب كثيراً على حسابنا، فهل نصرح لهم أو نظهر اهتماماً بأن عاصمتنا سوف تظهر عبر دور العرض حول العالم في السابع والعشرين من مايو/أيار الحالي؟

إن ردات الفعل المحلية متنوعة، فبعض الناس يرحبون بالفيلم وبما يعكسه عن بلادنا حيث تبدو بأبهى صورها بعد أن أحيطت بكل الإعلام السلبي بسبب الوضع الاقتصادي والمأساة الأخيرة التي عاشتها باغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح . أما البعض الآخر فقد شغلته الرسالة الخفية التي يريد الفيلم ان ينقلها ولم يهتم بالظاهر ولا بالمظاهر .

وفي النهاية، يمكننا القول إن الفيلم يشبه بطاقة دعوة لمشاهدة عاصمتنا الحبيبة التي تنعم بالثراء والرخاء والتي يمكن أن تقدم لكل من يقيم فيها أو يزورها كل متع الحياة وكأنه يعيش محلقاً في أجواء الهناء بعيداً عن سطح الأرض! أقول لكم نعم، فعاصمتنا مدينة جميلة تعوم في بحر من رغد العيش، وتتباهي بحياة الرفاهية، وتعتز وتفخر بما فيها من روعة وبهاء، ولكنها ايضاً المرآة التي تعكس صورة المبادئ والأخلاق، والمكان الذي يحتضن ثقافتنا وتقاليدنا كلها . أبوظبي . . إنها مدينة زايد، حيث الترف ليس ثوباً للغباء بل تربة صالحة يترعرع فيها الذكاء والاجتهاد، أبوظبي العاصمة التي تحافظ دائماً على تقاليدها لتظل جوهرة في تاج جمالها ومدعاة لفخرها .

إن دولاً عربية كثيرة في آسيا وإفريقيا سبق واستقبلت عدسات التصوير الغربية على أراضيها . ومن أشهر الأفلام التي صورت على أرض عربية فيلم لورانس العرب الذي لعب دور البطولة فيه كل من بيتر أوتول وعمر الشريف، وكان الفيلم قد صور في الأردن والمغرب، وثمة فيلم آخر هو هارت لوكر يتحدث عن الحرب في العراق أخرجته كاثرين بايغلو، وحصل على جائزة الأوسكار وقد تم تصويره كذلك في الأردن . وإذا ما كان هنالك أي قلق يساورنا أو اعتراض نصرح به، فإنه لا يكون مجرد رفض لعرض الفيلم أو لاستخدام اسم الدولة، ولا ينم عن الجهل ولكن عن المنطق وعن الإدراك السياسي . فبعض الأفلام المماثلة لا بد أن تخضع للرقابة وأن يجري اختيارها بناء على ما تراه الدولة تمثيلاً حقيقياً لها .

إن دولة الإمارات العربية المتحدة معروفة في العالم بتشجيعها للفنون وبرعايتها لها، وباحتضانها لعالم الفن بكل صوره وأشكاله . وعاصمتها أبوظبي تخطو خطوة غير مسبوقة نحو تحقيق حلمها بجعل الفنون أكثر قرباً من شعبها بإقامة متاحف عظيمة للفنون مثل اللوفر وغوغنهايم . ومهرجانا أبوظبي ودبي للسينما يستمران في إنعاش الأعمال العالمية التي تختار وتعرض كل سنة . وهل يمكن أن تكون الثقافة أكثر حيوية ونشاطاً مما هي عليه في بلادنا؟

في السابع والعشرين من مايو/أيار لحالي، سوف يدرك الجميع إلى أي درجة تمادى الفيلم في تمثيل عاصمتنا الحبيبة . وإلى ذلك الحين، فلنبق مع صورة الابنة شارلوت الصغيرة وهي تسأل أمها: هل هي مثل بلاد ياسمين وعلاء الدين؟ ومع بطلة الفيلم كاري التي تجيبها: نعم يا حلوتي، ولكن بإضافة بعض المطيبات .

قد تكون لمن يصنعون هذه الأفلام مقاصدهم، وقد تكون ذروة ما يريدون تحقيقه الأرباح العالية . وفي الحالين، لا ينبغي أن نغض الطرف عن الصور الخاطئة التي ينقلها هذا الفيلم عن بلادنا وعن تقاليدنا . وقد كان أحرى بالجهات المسؤولة عن ميادين الثقافة لو أنها انتبهت لمضامين الإساءة في الفيلم وقامت بما ينبغي عليها من إجراءات . أما أن الفيلم على وشك أن يعرض فسيكون من الحكمة أن تتحرك الجهات الثقافية المسؤولة للعمل مع الأشقاء والأصدقاء حتى لا يجد التشويه طريقه إلى المشاهدين .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"