المغرب وترسيم الحدود البحرية

03:50 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.إدريس لكريني

لا تخفى الأهمية الاستراتيجية للمنافذ البحرية بالنسبة إلى الدول، فعلاوة على كونها وسيلة نقل حيوي يدعم التواصل بين الشعوب المختلفة، فهي تندرج ضمن المقومات التي تعزز حضورها الدولي، وتسمح لها بكسب عدد من الرهانات ومواجهة كثير من التحديات، بخاصة مع تطور العلوم والصناعات التي كشفت عن الكثير من الثروات التي تحتضنها هذه المياه، ما أسهم في تصاعد النزاعات والأزمات بين الدول المترابطة بالحدود في هذا الشأن.
وقد حرص المجتمع الدولي منذ نهاية القرن التاسع عشر على بلورة حلول مستدامة لعدد من النزاعات المتصلة باستغلال البحار، ما سمح ببروز عدد كبير من الاجتهادات الفقهية، وبمراكمة عدد من الاتفاقيات والمعاهدات التي أثرت قواعد القانون الدولي في هذا الشأن.
وبعد إحداثها عام 1918، أولت عصبة الأمم اهتمامًا كبيراً بهذا الموضوع، حيث أحدثت لجنة خاصة لبلورة مشروع اتفاقية بشأن تنظيم المياه الإقليمية، ما مهّد لانعقاد مؤتمر لاهاي عام 1930، ورغم المساعي المبذولة لتقنين قواعد القانون الدولي للبحار، إلا أن الجهود المبذولة في هذا الخصوص لم تفرز النتائج المرجوة حينئذ. غير أن الأمر سيشهد تطورات كبيرة مع إنشاء الأمم المتحدة عام 1945، بعدما قامت لجنة القانون الدولي التابعة للجمعية العامة بجهود كبيرة في هذا السياق، مع انعقاد المؤتمر الأول لقانون البحار، وإصدار اتفاقيات جنيف الأربع عام 1958، قبل أن يتوالى صدور اتفاقيات أخرى كاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الموقعة ب«مونيجو باي» في جامايكا عام 1982 التي دخلت حيز النفاذ عام 1994 بعدما صادقت عليها 60 دولة، حيث بدأت معها حدّة التوترات بشأن المياه والبحار تخفّ، وتتراجع بصورة ملحوظة.
ويمكن التمييز في هذا الصدد، بين المياه الداخلية المتصلة بالبرّ والتي تمارس الدولة صلاحياتها التامة عليها (الموانئ والخلجان والأرخبيلات والمضائق ومصبات الأنهار..)، والمياه الإقليمية التي تمتد زهاء اثني عشر ميلاً من خط الأساس، والمنطقة المتاخمة التي تمتد لاثني عشر ميلاً إضافية بعد المياه الإقليمية، والمنطقة الاقتصادية الخالصة التي تتمتع فيها الدولة المعنية بممارسة عدد من النشاطات الاقتصادية، كالصيد واستغلال الموارد الطبيعية.. والجرف القاري وهو امتداد اليابسة للدولة في باطن الأرض والذي يصل إلى حدود 200 ميل، أو يتجاوزها..
وقبل أيام أعلن وزير الخارجية والتعاون الدولي المغربي «ناصر بوريطة»، أثناء التقديم لمشروعي قانونين، أمام أعضاء لجنة الخارجية والدفاع الوطني بمجلس النواب (إحدى غرفتي البرلمان المغربي)، عن توجه المغرب نحو بسط السيادة على كامل مجاله البحري الممتد من مدينة طنجة إلى طرفاية، مبرزاً أن الخطوة تأتي في سياق التأكيد بشكل واقعي، بأن قضية الوحدة الترابية والسيادة على المجال البحري، محسومة بالقانون، مبرزاً أن المشروعين يتعلقان بحدود المياه الإقليمية، وتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة على مسافة 200 ميل بحري، عرض الشواطئ المغربية.. ورغم التأكيد على أن الأمر يتعلق بخطوة سيادية، إلا أنه أشار إلى انفتاح المغرب على النقاش مع إسبانيا وموريتانيا في هذا الصدد.
وتنحو الجهود المغربية في هذا الشأن إلى بلورة نصوص تشريعية تسمح بتحديد مجالاته البحرية بصورة واضحة ودقيقة، انسجاماً مع القوانين والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، كسبيل لتأمين سيادته الترابية، استناداً إلى النصوص القانونية، وهو إجراء طبيعي يتناغم مع مقتضيات القانون الدولي التي تفرض تكييف التشريعات الداخلية مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، انسجاماً مع المتغيرات التي يعرفها الواقع في هذا الصدد، خصوصاً مع المستجدات التي حدثت على امتداد أكثر من ستّين عاماً منذ استقلال المغرب.
ويذهب بعض الخبراء والمراقبين إلى أن المبادرة المغربية المتخذة في هذا السياق، يحكمها هاجس تحصين السيادة، والرغبة في استثمار الثروات الطبيعية التي تختزنها المياه الخاضعة لهذه السيادة، بعيداً عن أية تعقيدات، أو إشكالات قانونية. فيما يؤكد البعض الآخر، أن سير المغرب قدماً لتنفيذ هذه الخطوة من شأنه أن ينعكس بالسلب على العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين المغرب وإسبانيا.
فقد عبّر الحزب الاشتراكي الذي يقود الحكومة الإسبانية الحالية، عن رفضه للخطوة المغربية، مبرزاً أن أية مبادرة في هذا الإطار، سواء تلك المتعلقة برسم الحدود المائية المحاذية لجزر الكناري، أو سبتة ومليلية الخاضعة للاحتلال الإسباني، مبرزاً أن الأمر ينبغي أن يخضع لمقتضيات اتفاقية الأمم المتحدة حول البحار، مع التأكيد على أهمية الحوار في هذا الخصوص.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"