الاحتلال أعلى درجات العنصرية

02:12 صباحا
قراءة 3 دقائق

إن لم يكن الاحتلال الاستيطاني بحد ذاته، هو العنصرية بأعلى درجاتها العدوانية، فماذا تكون هذه العنصرية؟ إسرائيل من جهتها، على عكس كل دول العالم باستثناء الولايات المتحدة، ترفض هذا التعريف للعنصرية، لأنها ببساطة، تعرف أن هذا التعريف يعني على الفور،أن وجودها كله عنصري، جملة وتفصيلاً، وأنه وجود بالتالي، مدان بأشد ما تملكه الإدانة القانونية والإنسانية من قوة، من قبل كل الدول والقوى والمؤسسات التي تدعم حقوق الإنسان في أي أرض.

إلى ذلك، كان من الطبيعي أن تبدأ إسرائيل والولايات المتحدة معاً، بإرسال الإشارات عن عدم مشاركتهما في مؤتمر ديربان الثاني لمناهضة العنصرية، منذ الآن، وقبل حوالي سنة من انعقاده في النصف الثاني من السنة المقبلة. وسوف تزداد هذه الإشارات كثافة وإلحاحاً مع الأسابيع والأشهر المقبلة، في سياق مع ما سبق أن فعلته هاتان الدولتان في العام ،2001 حين عقد مؤتمر ديربان الأول برعاية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وبمبادرة جنوب إفريقيا، وانسحبتا منه في اللحظة التي أدركتا فيه أنه بصدد اتخاذ موقف صارم من الاحتلال الإسرائيلي، باعتباره شكلاً صارخاً من أشكال العنصرية.

لن تتوقف المسألة عند الإشارات، بل سوف تنشط هاتان الدولتان المتماهيتان في موقف واحد، بالضغوط الشديدة على الدول التي شاركت في المؤتمر الأول، لعلهما تنجحان بمنع بعضها من المشاركة في المؤتمر الثاني. وكان الإعلام الإسرائيلي أشار أخيراً، ولو من دون ضجة بارزة، إلى أن التنسيق الأمريكي - الإسرائيلي قد حدد سلفاً، مسار هذه الضغوط فعلاً، في اللقاء الذي تم بين وزيرتي خارجية الدولتين كوندوليزا رايس وتسيبي ليفني.

ويجوز أن حال الضغوط لن ينتهي عند منع ذلك البعض فحسب، وإنما سوف يتصاعد لمنع الأغلبية، أو الجميع دون استثناء! أو على الأقل، لعرقلة عقد المؤتمر وإرباكه ومحاصرته، إذا قدر له الانعقاد أصلاً، بكثير من العقبات السياسية والاقتصادية، ناهيك عن الإعلامية المبرمجة والقادرة على التأثير إلى حد غسل الأدمغة.

ويمكن متابعة هذا الجائز عبر نتائج التغيرات الهائلة التي اكتسحت العالم كله تقريبا، على مدار السنوات السبع الماضية، منذ العام 2001 وإلى حينه. فالولايات المتحدة وإسرائيل تقرآن هذه التغيرات على أنها لمصلحتهما تماما، ما يوفر لهما القناعة الأكيدة أن ما تم في مؤتمر ديربان الأول، لن يتكرر في الثاني. وربما وعلى وجه الخصوص، لا بد من التنويه أيضا(تنويه أمريكي إسرائيلي بالطبع) في هذا الشأن، أن العرب كلهم قد تقدموا بمبادرة سلام، وأنهم لم يسحبوها في قمة دمشق، وأن الفلسطينيين منقسمون على أنفسهم، وأن الحرب على الإرهاب مستمرة، وأن بعض الفصائل الفلسطينية متورطة في دائرة هذه الحرب.. إلخ.

ولكن، قد ينعقد المؤتمر في موعده، دون أدنى مشاكل أو عراقيل. كيف؟ بجرة قلم واحدة تشطب فيها أية كلمة في بيانه الختامي، تدين الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان اليهودي، أو تشير لإسرائيل في أي سياق عنصري. لو كان هذا الشطب سيتم، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل على استعداد للمشاركة، وعلى استعداد لحشد كل دول العالم للمشاركة، وعلى استعداد لجعله من أهم المؤتمرات وأكثرها قبولا!

يذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد اتخذت في دورتها الثلاثين في العام 1975 قراراً جاء فيه أنها تعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية. غير أن الولايات المتحدة استطاعت بعد عدة سنوات أن تمارس ضغوطاً على هيئة الأمم المتحدة ضمن واقع جديد من التغيرات العالمية المتهالكة وراء نمو العولمة، بما فيها التغيرات العربية والإسلامية، كان من نتيجتها أن تراجعت الجمعية العامة عن قرارها، في وقت كانت فيه الصهيونية ذاتها تزداد شراسة في أيديولوجيتها العنصرية بتصعيد ممارساتها الاحتلالية الاستيطانية على أرض فلسطين وشعب فلسطين.

وماذا سيكون بعد سنة؟ هل سوف ينعقد هذا المؤتمر؟ وإذا عقد، هل سيتمكن من حماية قدرته على إدانة إسرائيل باحتلالها المتواصل، واستيطانها المستمر؟ أم أن فشل هذه القدرة لن يكون على أيدي الولايات المتحدة وإسرائيل، بقدر ما سوف يكون على أيدي العرب والفلسطينيين أنفسهم هذه المرة، حين يجري الإعلان مثلا، أن إطار التسوية مع إسرائيل قد أنجز في نهاية العام الجاري. وما همّ فيه أنه إطار رف. فالمهم أنه سوف يكون الإطار الذي سيطير معه بالضرورة، أي بيان ختامي يأتي من الخارج لإدانة إسرائيل ذات التسوية العتيدة!

أم أن القادم غير هذا؟ فلا إطار رف، ولا سواه، طالما أن المنطقة كلها حبلى بمزيد من التغيرات التي لن تكون محسومة أو محتومة بالضرورة لمصلحة إسرائيل والولايات المتحدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"