ميركل.. مستشارة مجدداً

02:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. غسان العزي
تتفق استطلاعات الرأي عشية الانتخابات التشريعية الألمانية، في 24 سبتمبر/‏أيلول الجاري، بأن الاتحاد المسيحي-الديمقراطي، الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل سوف يفوز بأربعين في المئة من أصوات المقترعين، في حين سوف يحصل الحزب الاشتراكي - الديمقراطي بزعامة مارتن شولز على ربع الأصوات تقريباً. أما الأحزاب الصغرى الأربعة المتبقية فقد يستحوذ كل واحد منها على حوالي 8٪ من الأصوات. وعلى الرغم من الحذر الواجب اتباعه حيال استطلاعات الرأي التي أخفقت توقعاتها في غير بلد وغير انتخابات فإنها في الحالة الألمانية لن تقع في خطأ يترك مجالاً لمفاجآت.
واليوم بات في حكم المؤكد بأن أنجيلا ميركل ستبقى على عرش المستشارية، وستناط بها مهمة تشكيل الحكومة وقيادة الائتلاف الحكومي الجديد؛ إذ يتفق المراقبون على أن الانتخابات الحقيقية ستبدأ في 25 سبتمبر/‏ أيلول الجاري، أي بعد صدور نتائج الانتخابات التشريعية وانطلاق المفاوضات لتشكيل الائتلاف الحكومي.
وعلى الأرجح أن تجد ميركل نفسها أمام أربعة خيارات، بعد استبعاد إمكانية التحالف مع اليسار الراديكالي واليمين المتطرف اللذين يتناقضان أيديولوجياً وسياسياً مع حزبها: - التجديد للتحالف القائم مع الحزب الديمقراطي - الاشتراكي - تشكيل ائتلاف «بورجوازي» مع الليبراليين، - التحالف مع الخضر والمدافعين عن البيئة، - وأخيراً تشكيل ائتلاف ثلاثي مع الليبراليين والخضر. المعادلتان الأخيرتان جديدتان على خلاف التحالف مع الاشتراكيين الذي خضع للتجربة مرتين (بين 2005 و2009 ومن 2013 إلى اليوم). وعلى كل فالأمور تبقى رهن نتائج الانتخابات وموازين القوى المنبثقة عنها.
فإذا حصل الليبراليون مع المسيحيين الديمقراطيين على الأغلبية المطلقة في البندستاغ (البرلمان الألماني) فعلى الأرجح أن تلجأ المستشارة إلى هذا الخيار التحالفي الأكثر منطقية والأنسب لها. هذه المرة يسعى الحزب الليبرالي للعودة إلى السلطة وسط تشكيك بكفاءته من قبل المراقبين والسياسيين. فبعد هزيمته في عام 2013 وخروجه من البوندستاغ تم استبدال قيادته القديمة بقادة جدد يفتقرون إلى التجربة. .
بالنسبة للتحالف مع الخضر عبدت المستشارة أمامه الطريق عندما أعلنت، غداة مأساة فوكوشيما في اليابان عام 2011، عن نيتها إخراج ألمانيا من الطاقة الذرية في غضون عام2020. وفي عام 2015 شرعت الأبواب أمام النازحين فاكتسبت تعاطف اليسار والخضر. وفي العام الجاري عادت لتطبيق المعادلة التي صنعت مجدها السياسي، فقد دعمت أطروحات اليساريين والخضر من دون أن تستفز ناخبيها المحافظين عندما سمحت للبوندستاغ بالتصويت على الزواج المثلي؛ لكنها صوتت ضده، وعندما استغلت فضيحة الغش الذي مارسته بعض شركات السيارات العاملة على الديزل فدعت إلى التفكير في مستقبل السيارة الكهربائية، من دون أن تقوم بأي إجراء يستفز صناعة السيارات الألمانية التي تشكل إحدى دعائم الصادرات الوطنية.
وإذا لم يكفِ التحالف مع الخضر للاستحواذ على الأغلبية المطلقة، فقد تلجأ المستشارة إلى ما يسمونه بالتحالف الجمايكي (أسود، أخضر، أصفر) نسبة إلى علم جمايكا أي التحالف مع الليبراليين والخضر معاً، الأمر الذي يحصل للمرة الأولى على المستوي الفيدرالي.
الخيار الأخير وهو الأكثر ترجيحاً هو التجديد للائتلاف القائم مع الاشتراكيين رغم كل السهام التي وجهها زعيمهم المرشح شولز إلى المستشارة. هذه الأخيرة وافقت على إجراء مناظرة متلفزة مع شولز بعد رفضها للمناظرات مع زعماء الأحزاب «الصغرى». ولم تغير هذه المناظرة التي جرت في الثالث من سبتمبر/‏أيلول شيئاً في توجهات الرأي العام الذي بقي مؤيداً للمستشارة على وجه العموم. والمناظرات التي جرت بين الأحزاب الصغرى هي المهمة في الحقيقة؛ لأنها تتنافس على المركز الثالث وهو الذي سيحدد طبيعة الائتلاف الحاكم.
وربما تقود الحسابات الرقمية إلى التفكير في تشكيل ائتلاف يساري بين الاشتراكيين والخضر والراديكاليين في حال حصول هؤلاء على الأغلبية المطلقة. لكن دون مثل هذا التحالف عقبات تقليدية منها أن اليسار الراديكالي معارض دائم للسياسة الخارجية التي انتهجتها الأحزاب الكبرى منذ عام 1990. مثل هذا التحالف يعد ممكناً على المستوى الإقليمي، وليس الفيدرالي.
ومهما يكن من أمر فإن خيارات شولز تبقى محدودة على عكس خيارات ميركل المفتوحة. وهي تتفادى الكلام عن الائتلاف الذي تفضله غداة الانتخابات المقبلة؛ بل تكرر القول إنه سيكون مع أحزاب ديمقراطية، أي ليس مع اليمين ولا اليسار المتطرفين. كما أنها تبقى مبهمة في معظم المواضيع المطروحة؛ وذلك من أجل ترك أبواب الخروج مفتوحة أمامها واكتساب ناخبين جدد دون خسارة ناخبيها أو إثارة القلق بين صفوفهم.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"