عادي
استخدام شبكات التواصل يصل إلى 20 ساعة يومياً

الإدمان الإلكتروني في زمن «كورونا» محفوف بالمخاطر

00:25 صباحا
قراءة 7 دقائق
1

تحقيق: سومية سعد

شهدت الفترة الأخيرة، منذ بدء تفشي فيروس كورونا المستجد، استخدام الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل كبير يصل إلى 20 ساعة يومياً، وبحد يصل إلى الإدمان المحفوف بالمخاطر، حيث أصبح من المستحيل للبعض الابتعاد عن الأجهزة الإلكترونية الخاصة بهم، خاصة في زمن الجائحة والتزام البعض الجلوس في المنازل، حيث زاد عداد مستخدمي الإنترنت لدرجة أن أفراد الأسرة الواحدة يجلسون معاً تحت سقف منزل واحد ويستخدمون مواقع التواصل بينهم، فهل تحول استخدام الإنترنيت إلى إدمان؟

«الخليج» تسلط الضوء في هذا التحقيق على الإدمان الإلكتروني وأضراره وكيفية الفكاك منه.

«أنقذوا أولادي من هذا الإدمان»، بهذه الكلمات بدأت أم يزن كلامها، مؤكدة وجود عالم غريب داخل مواقع التواصل يتكون من غرفة محادثة لا تتوقف أبداً جعلت أولادها الثلاثة لا يتركون الإنترنت، لا ليلاً ولانهاراً، ويتحدثون مع أصدقاء من جميع أنحاء العالم، خاصة أنهم يتحدثون الانجليزية والفرنسية وأصبحوا يقضون أوقاتاً طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي «كالفيسبوك»، و«تويتر».

تقول أم سلمى: إن مواقع التواصل قلبت حياة ابنتي رأساً على عقب، وبدلاً من أن تصبح هذه المواقع مصدراً للعلم والثقافة حولت حياتها من فتاة مرحة وإيجابية، إلى عزلة وانطواء على نفسها، والانكفاء عن العالم، لا تخرج من المنزل، ولا تترك الآيباد من يديها حتى وقت تناول الطعام، إلى أن أصبحت لا ترى حتى ما تأكل.

مواقع التواصل مسكونة

أما «أم محمد» فتقول: أصبحت أحسّ بأن مواقع التواصل مسكونة، من كثرة ما أرى من التعبيرات المختلفة على وجه ابني محمد، الذي يستخدم الإنترنت 24 ساعة، ويلعب ألعابا مكونة من حصون وسراديب مملوءة بالوحوش، ولا أسمع صوته إلا إذا صرخ فأعرف أنه خسر، وضحكات عالية فأعرف أنه كسب.

المعرفة

أما الحاج علي عبدالسميع فيقول، إنه أحضر لأولاده أجهزة الإنترنت أملاً في المعرفة والبحث عن المعلومات المفيدة، ولكن بعد فترة وجدهم من المدمنين على الإنترنت، منهمكين في تجربة خطيرة لدرجة انهم يتحدثون ويتواصلون مع بعضهم بعضاً باستخدام مواقع التواصل وهم داخل المنزل.

مخاطر الإدمان

تقول البروفيسورة بشرى أحمد العكايشي، رئيسة قسم التربية بكلية الآداب والعلوم في جامعة الشارقة: أصبح الاعتماد في إدارة معظم الأنشطة اليومية على استخدام الأجهزة الذكية والإلكترونية، وذلك يرجع لسهولتها ولتنوع أغراض استعمالها والأهداف التي تحققها، لا سيما مع ما نمر به من ظروف تفشي جائحة «كوفيد 19»، فهي نعمة للتدابير الاحترازية التي تقينا من الإصابة بهذا الفيروس، فلا يمكن إغفال الإيجابيات العديدة للاستخدام الإلكتروني في تنمية مهارات الفرد، ولكنها قد تتحول إلى نقمة إذا استعملت بشكل خطأ يضر بالجانب الصحي والنفسي والاجتماعي للأفراد، على حد سواء، والحديث عن الإيجابيات لا يعني تجاهل مخاطر الإدمان على وسائل التواصل والاستخدام عندما يكون من دون وعي، أو توازن، وأيضاً بحسب فئة الأفراد المستخدمين له، فقد بينت الدراسات أضرار الإدمان الإلكتروني على الصحة الجسمية والنفسية والاجتماعية للأفراد، فالجلوس لساعات طويلة أمام الأجهزة الإلكترونية يؤدي إلى أضرار بالجهاز العضلي والعظميّ، وآلام أسفل الظّهر، وكذلك ألم لمفصل الرّسغ، وإصبع الإبهام، بسبب الحاجة لثنيهما باستمرار، وفي المقابل أيضاً، هناك أضرار بالجانب النفسي والاجتماعي، حيث يعرض الإدمان الإلكتروني، خاصة الأطفال والمراهقين، إلى خللٍ كبير في علاقاتهم الاجتماعية، ما ينتج عنه الانفصال الأسري والمجتمعي، الذي يسحب الأفراد إلى الفراغ النفسي والشعور بالوحدة، إن كان مع أفراد أسرتهم، أو مع الآخرين في المجتمع، كما أن الاستخدام المبالغ فيه يجعل الأفراد يعتادون على التعامل مع الأجهزة الإلكترونية الذكية، وهذا قد يعرّضهم إلى صعوبة كبيرة في التأقلم مع الحياة الطبيعية ذات السرعة الأقل درجة، الأمر الذي قد ينمّي لديهم شخصية افتراضية منفصلة عن الحياة الواقعية، ومن ثم سيطرة هذه الشخصية الافتراضية على الفرد، والتي ستقوده إلى التعامل مع من يحيطون به بالمنطق الافتراضي الخيالي الذي يولّد الكثير من التحدي والعنف والتوتر، وعدم التوافق والانسجام للفرد مع محيطه.

الدكتور شريف مسعد، استشاري ورئيس قسم طب الأطفال يقول: تشير بعض الأدلة إلى أنه إذا كنت تعاني من اضطراب إدمان الإنترنت، فإن تركيب دماغك مشابه لتلك التي تعاني من الاعتماد على المواد الكيميائية، مثل المخدرات، أو الكحول.

ومن المثير للاهتمام أن بعض الدراسات تربط اضطراب إدمان الإنترنت بتغيير جسدي لبنية المخ، حيث إنه يؤثر بشكل خاص في كمية المادة الرمادية والبيضاء في مناطق المخ قبل الجبهية، وترتبط هذه المنطقة من الدماغ بتذكر التفاصيل والانتباه والتخطيط وتحديد أولويات المهام، وأن أحد أسباب اضطراب إدمان الإنترنت هو أن التغييرات الهيكلية في منطقة الفص الجبهي في الدماغ تضر بقدرتك على تحديد أولويات المهام في حياتك، ما يجعلك غير قادر على تحديد أولويات حياتك.
جلطات قلبية

وتقول الدكتورة بسمة الخولي: الإدمان الإلكتروني المتزايد قد يؤدي إلى حدوث جلطات قلبية نتيجة انسداد الشرايين، ونتيجة الساعات الطويلة التي يقضيها المدمن على الهاتف، وما يصاحبها من قلة الحركة؛ حيث تسبب قلة الحركة بطئاً في الدورة الدموية، ما يتسبب بحدوث جلطات في الجسم، كما يتسبب الإدمان على الألعاب بزيادة الوزن والسمنة، ومن ثم الإصابة بالسكري وارتفاع ضغط الدم، فيما أصبحت هذه الألعاب أولوية للمدمن، تسبب له اضطراب علاقاته العائلية والاجتماعية، كما تتسبب هذه الألعاب بحدوث اضطرابات المزاج القلق والاكتئاب، كما تسبب حدوث حالات من الانتحار، وهو أمر خطر استدعى أن تقف منظمة الصحة العالمية، للتمكن من مكافحة الإدمان الإلكتروني، بتعديل السلوك.

الإقلاع عن الإدمان الإلكتروني

وتقول الدكتورة جود مسكجي، إن الإدمان الإلكتروني لا يختلف عن الإدمان على المخدرات، لذا يتطلب منا الإقلاع لمصلحة الشخص، ويُطلب منه تقليل وتنظيم ساعات استخدامه، بحيث إذا كان يدخل على الإنترنت لمدة طويلة، نطلب منه التقليل تدريجياً، وتنظيم الساعات محددة من اليوم، وممارسة بعض الأنشطة الأخرى، وأن يفكر في الأنشطة التي كان يقوم بها قبل إدمانه على الإنترنت.

وحذرت من الآثار الطبية والنفسية والسلوكية للاستخدام المفرط للإنترنت والأجهزة الإلكترونية فمن قبل الأطفال، إذ يؤدي ذلك للإدمان الإلكتروني، ومشكلات سلوكية عدة في فئة الأطفال الذين يعانون مشكلات نفسية وسلوكية، نتيجة قضاء ساعات طويلة على الأجهزة الإلكترونية واللوحية، والإنترنت والكمبيوترات.
أثر سلبي

ويقول الأستاذ الدكتور أحمد فلاح العموش، أستاذ علم الجريمة في جامعة الشارقة، إن إدمان مواقع التواصل أثر سلبياً في حياتنا العامة، ونقلنا إلى عزلة عن المجتمع واصبح نمطاً اعتيادياً أثر في بعض السلوك لمدمني الإنترنت وغيّر سلوكهم، مثل التوتر، وغيره من السلوكات السلبية، وما زاد في ذلك فترة الحجر الصحي الذي زاد من ساعات دخول الأشخاص علي الإنترنت وجلوسهم لفترات طويلة.

وطالب بعمل برنامجي تدريجي لتقليل هذا الإدمان مثل الخروج من المنزل.
لغة الحوار

المستشارة تهاني التري خبيرة العلاقات الدولية، تقول إن لغة الحوار أصبحت مفقودة بين الأشخاص في الأسرة الواحدة، وأصبحت حلقته مع المجتمع الإلكتروني اكثر من المجتمع الحقيقي، ومن النفاق المجتمعي، ولذا لابد من وجود بدائل عن الواقع الإلكتروني لكسر الحواجز بينهم وبين أبنائهم، أو إخوانهم بزيادة الثقة المتبادلة والإشباع العاطفي والاجتماعي والمادي المشروع وتشجيعهم على المصارحة، ولابد من أنشطة أسرية مشتركة وأن تكون الأسرة الحضن الدافئ ومصدر المعلومة، خاصة وسط الابتزاز الإلكتروني، ونحاول ملء وقت الفراغ بأنشطة مجتمعية كالتطوع المجتمعي، ومساعدة الغير، وقضاء الوقت في النادي معهم، والقيام بزيارات اجتماعية، وغيرها لان مدمن الإنترنت مريض، ولابد له أن يعاود ممارسة تلك الأنشطة، لعله يتذكر طعم الحياة الحقيقية، وحلاوتها، ويعود إلى التواصل الإيجابي بين أفراد الأسرة.
الأساليب تغيرت

ويقول النقيب عبدالله الشحي، نائب مدير إدارة المباحث الإلكترونية بالإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية، هذه الأساليب تغيرت وتطورت مع التغير المستمر للتكنولوجيا الرقمية، ما يحتم أهمية البدء بشن حملات توعوية على نطاق واسع للمجتمع، لتوعية الجمهور بمخاطر هذا النوع من الجرائم والأذى المادي والنفسي الذي يسببه على أفراد المجتمع، خاصة من مدمني الإنترنت من خلال عدة لغات، والتي تستهدف تحذير جميع شرائح المجتمع من مخاطر جرائم الاحتيال عن طريق تقنية المعلومات.

ودعا أفراد المجتمع إلى عدم التردد في الإبلاغ عن أي تهديد يتعرضون له، بفتح بلاغ عبر منصة «ecrime» الإلكترونية عبر الهواتف الذكية والموقع الإلكتروني، وأهمية عدم الرضوخ لطلبات المتصيدين والمحتالين، من خلال إرسال الأموال والرضوخ لأي شكل من أشكال الاحتيال والابتزاز الإلكتروني، والمبادرة بطلب المساعدة الفورية من الشرطة لاتخاذ اللازم.
حملات توعوية

ويقول: تحرص شرطة دبي على إطلاق حملات والتعاون مع مختلف الإدارات العامة من خلال توظيف مختلف الأدوات لتحقيق أهداف الحملة، وإطلاق مبادرات عدة تخدم المجتمع وتسهم في توعيته حول مختلف المخاطر التي قد تواجه مدمني الإنترنت، بهدف إسعادهم وتوفير الأمن والأمان لهم، وأن إدارة التوعية الأمنية أطلقت 7 حملات توعوية خلال العام الجاري بالتعاون مع الإدارات العامة بهدف توعية الجمهور في مختلف الموضوعات، وإن الحملات تعمل على ضمان تلقي أفراد المجتمع للرسالة التوعوية بمختلف الطرق عبر النشرات الإعلامية سواء المقروءة أو المسموعة والمرئية، وتسخير قنوات شرطة دبي في التواصل الاجتماعي بعرض مواد فيلمية ونشرات توعوية بعدة لغات تتناسب مع مختلف شرائح المجتمع في مراكز الشرطة الذكية، ودوريات الشرطة، ونشر إعلانات في المناطق السكنية، والشوارع الخارجية، وأجهزة الصراف الآلي، ورسائل البريد الإلكتروني، وغيرها من أجل حماية المجتمع والعمل على تجنب الوقوع في براثن الاحتيال الإلكتروني التي انتشرت في الآونة الأخيرة، مهددة أمن وسلامة الأسر، نتيجة تطور وسائل التواصل الإلكتروني والاجتماعي، وسوء استخدام البعض لها، خاصة الأطفال والمراهقين، وهواة التعارف ممن ينساقون خلف أوهام غير حقيقية في الواقع، وينتهي بهم الأمر ضحايا أمام أصحاب النفوس الضعيفة.

نقص الإدراك

تقول الدكتورة تهامة بيرقدار: مشكلة البعض من رواد مواقع التواصل أنهم ينقصهم الوعي والإدراك، وسوء استخدام الأمور الإيجابية «التكنولوجيا» بقلبها لأن تكون سلبية وضارة، والشبكة العنكبوتية بعدما كانت تحتوي على جميع المعلومات التي يفترض أن ننهل منها ونرتوي حتى الإشباع، للأسف باتت تؤثر في المستوى الأكاديمي لبعض الطلاب، وأن الإدمان الإلكتروني مشكلة اجتماعية يجب التصدي لها من جميع الجهات المعنية والمؤسسات التعليمية.

ودعت أولياء الأمور إلى مراقبة أبنائهم وبناتهم وعدم زيادة الجلسات على مواقع التواصل لأن زيادتها تؤدي إلى التعرف الخاطئ، خاصة في ظل الغرف المغلقة، وانشغال الأهل بأعمالهم، فيجد المحتالون فرصة ليربكوا ضحاياهم بأكاذيب ليدفعوهم إلى الكشف عن بياناتهم السرية ومعرفة جميع الأسرار، فيستجيب الشخص المستهدف لهم.

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"