الجغرافيا العالمية للهجمات الإرهابية

01:06 صباحا
قراءة 4 دقائق
الحسين الزاوي

تُعرف الهجمات الإرهابية التي تنفذها المجموعات الإجرامية العابرة للحدود والأوطان، انتشاراً غير مسبوق على مستوى الخارطة السياسية للجغرافيا العالمية، حيث بدأت التهديدات الإرهابية تنتقل بشكل تدريجي من المناطق المشكلة لما يسمى بقوس الأزمة و«المناطق الرمادية» التي تعرف استقراراً هشاً لمؤسسات الدول الوطنية، إلى عواصم دول العالم الأكثر أمناً؛ الأمر الذي بات يطرح أسئلة حرجة وتحديات في غاية الخطورة بالنسبة للمنظومة الأمنية لمختلف دول العالم، بسبب التداعيات الخطيرة لهذه الهجمات على السلم الدولي وعلى التماسك والانسجام المجتمعي داخل الدول، وبخاصة بعد أن نجحت التنظيمات الإرهابية في استقطاب انتحاريين ينتمون إلى جنسيات الدول الغربية الكبرى التي تملك أجهزة أمنية واستخباراتية مشهود لها بالكفاءة والاقتدار والاحترافية.
ويشير المتابعون لقضايا المجموعات المسلحة إلى أن جغرافية الهجمات الإرهابية، تؤكد حدوث تحولات جديدة منذ سنة 1991 من القرن الماضي، من حيث البناء الدولي والإقليمي للعمل الإرهابي بناءً على رؤية لا تستهدف فقط الإطاحة بأنظمة الحكم المحلية، ولكنها تسعى في اللحظة نفسها إلى خلق وضعية جديدة من انعدام الاستقرار المزمن عبر كل العالم من أجل فرض أجندات جديدة، ومشاريع سياسية ومجتمعية قائمة على الخوف والإخضاع الكامل لمجموع الأفراد.
ويذهب الخبراء الدوليون في سياق محاولتهم لرسم خريطة ومسار تطور الهجمات الإرهابية، إلى التأكيد على الصبغة العالمية التي باتت تميّز هذه الظاهرة الإجرامية، التي استفادت لمدة طويلة من التساهل الكبير الذي كانت تبديه تجاهها الكثير من الدول الكبرى التي نظرت إليها في بداية الأمر على أنها مجرد صراع داخلي حول السلطة، داخل الدول التي تمتلك أنظمة سياسية وأمنية ضعيفة وهشة، وتفتقد لقواعد شفافة من أجل ممارسة الحكم وتحقيق مبدأ التداول السلمي على السلطة.
ونستطيع أن نشير في سياق متصل إلى أن ظاهرة الإرهاب قد شهدت خلال السنوات الأخيرة، تحولات عميقة عبر مختلف الجغرافيا العالمية لاسيما في العراق وأفغانستان، حيث اختلط العنف الطائفي والمذهبي والعرقي في الكثير من الحالات، بالعمل الإرهابي، وتحوّل العنف لدى الكثير من المجموعات السكانية المهمشة في هذه الدول وغيرها من مجرد أعمال معزولة تهدف إلى التنديد بالإقصاء الممارس ضدها، إلى أعمال إرهابية تعتمد على مرجعيات دينية متشددة، في سياق بنية جديدة تعتمد على تحالف إقليمي ودولي جديد ما بين التنظيمات الإرهابية المختلفة؛ كما أدى ضيق الأفق السياسي في الكثير من الحالات إلى انتقال بعض المطالب الشعبية، الداعية إلى تحقيق انفتاح سياسي أو تلك المطالبة بالاستقلال، كما حدث في الشيشان، إلى حالة تمرد شامل ترفع شعارات دينية متطرفة تتقاطع مع الخطابات التي تتبناها التنظيمات الإرهابية.
ويمكن القول، إن أخطر تطور شهدته الظاهرة الإرهابية حتى الآن، تمثل في سعي المجموعات الإرهابية إلى تشكيل خلايا سرطانية داخل مختلف الدول يطلق عليها في الغالب مصطلح «الخلايا النائمة»، التي تشكل تحدياً كبيراً لمختلف أجهزة الأمن العالمية بالنظر إلى الطابع الفجائي لتحركاتها البالغة السرية التي تميّز أنشطتها ونسق بنائها لخلاياها المنتشرة عبر العالم. وتضاعفت هذه الخطورة بعد بروز ما أصبح يسمى بظاهرة «الذئاب المنفردة»، التي تعتمد على خاصية التجنيد والشحن العقائدي التلقائي لأفراد معزولين لا ينتمون إلى أي تنظيم إرهابي، ولكنهم مستعدون لممارسة أعمال إجرامية بالغة القسوة عندما يرون أن الفرصة أصبحت سانحة من أجل برمجة وتنفيذ عمل إرهابي منفرد بعيداً عن رقابة أجهزة الأمن المنشغلة بتتبع نشاط القيادات المعروفة لدى المؤسسات الاستخباراتية.
ويجمع المتابعون لشؤون الجماعات الإرهابية على أن هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، مثلت انطلاقة جديدة وغير مسبوقة بالنسبة لانتشار الهجمات الإرهابية عبر مجمل الخارطة العالمية، وبخاصة مع بروز خيار نهج التصعيد الذي تبناه تنظيم القاعدة مع الولايات المتحدة والدول الغربية. وقد مثل احتلال العراق وأفغانستان، فرصة سانحة من أجل انتشار الإرهاب والفكر المتطرف في العديد من الدول، كما أسهمت حالة الفشل التي عرفتها دول ما يسمى ب«الربيع العربي»، في حدوث انتشار غير مسبوق للأعمال والهجمات الإرهابية، لاسيما بعد تأسيس ما أصبح يعرف بتنظيم «داعش»، الذي حاول أن يوسّع بشكل لافت من الرقعة الجغرافية لنشاطاته الإجرامية التي أدمت قلوب أبرز التجمعات السكانية في أوروبا من بروكسل إلى باريس وصولاً إلى لندن، وذلك بالتزامن مع تأسيس الكثير من التنظيمات الإرهابية في العديد من مناطق العالم مثل بوكو حرام وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.. إلخ.
وبالإمكان أن نخلص إلى القول إن مراكز الإحصاء المتخصصة، تشير بشكل واضح إلى أن العالم عرف تطوراً مهولاً في عدد الهجمات الإرهابية التي ارتفعت بنسبة 150 في المائة من سنة 2009 إلى سنة 2012، حيث شهد العالم 7217 هجمة إرهابية سنة 2009 مقابل 18524 هجمة مع نهاية سنة 2012، تركزت في معظمها في منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان. الأمر الذي يستوجب تبني مقاربة دولية جديدة من أجل وقف هذه الهجمات، تعتمد في المقام الأول على تجفيف منابع التطرف والعنف، وعلى محاصرة الفكر التكفيري، فضلاً عن العمل الجاد من أجل إيجاد حلول توافقية ومقبولة لمختلف النزاعات السياسية والدينية والهوياتية، التي تدفع الكثيرين نحو اليأس والقنوط وتشجعهم على اعتماد الخيارات المتطرفة الأشد عنفاً ودموية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"