عندما يختلط الحلال بالحرام

02:50 صباحا
قراءة 3 دقائق
سألني أحدهم: إذا أردت أن أتخلص من المال الحرام الذي كسبته خلال سنوات عدة فماذا أفعل؟
قلت له: حسناً تفعل عندما تفكر في أن تطهر مالك من الحرام، لأن الله تعالى يقول لرسله: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً"، (الآية ،51 سورة المؤمنون) .
وقد بين سعيد بن جبير والضحاك أن المراد بقوله تعالى: "كلوا من الطيبات" كلوا من الحلال .
وفي آية أخرى قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون"، (الآية 172 من سورة البقرة) .
- وإذا كان الله تعالى أمرنا بترك الشبهات، فكيف بالحرام بعينه؟ أليس تركه أوجب؟ يقول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام .
- إذن نحن مأمورون بالعمل، وفي الوقت نفسه مأمورون بكسب الحلال، قال الله تعالى: "وأحل الله البيع وحرّم الربا"،(الآية 275 من سورة البقرة) .
- قلت للسائل: إذا كنت تعني بالمال الحرام، ربا البنوك فقط، فالحرام أنواعه كثيرة، كالربا والظلم، والحلف الكاذب، والرشوة، والسرقة، وأخذ الراتب وأنت غائب عن العمل، وثمن المحرم كالخمر، وأجرة الغناء والرقص وصور النساء، والغش والقمار واليانصيب وغيرها أكثر .
- على العموم كسبت أنت ما كسبت وأردت التخلص، فقبل كل شيء عليك بالتوبة النصوح، والتوبة مقبولة إن شاء الله تعالى كما ورد في الحديث: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"، (رواه أحمد) .
- والحرام الذي أردت التخلص منه يتعلق به حقّان: حق الله تعالى والتخلص منه بالتوبة النصوح، أما حق غير الله تعالى فبالتوبة مع إيصال الحق إلى مستحقه إذا أمكنك ذلك .
- قال الذهبي: "قال العلماء ولا تنفع السارق توبته إلا أن يرد ما سرقه، فإن كان مفلساً تحلل من صاحب المال" .
- ويورد الدكتور عزيز فرحان مدير مركز الإرشاد السعودي في دبي، في كتيب مفيد له باسم "خلاصة الكلام في التخلص من المال الحرام"، الحديث النبوي "من أسلم على شيء فهو له"، (رواه البيهقي)، ويقول: "والمعلوم أن الكفار يرتكبون المعاصي والجرائم العظيمة، فلو أرادوا الإسلام وعلموا أنهم مؤاخذون بما فعلوه حال الإشراك لما أسلموا، فمن رحمة الله تعالى بهم أن هدم عنهم جميع ما كان منهم، ويسّر عليهم قبول التوبة" .
- إذن هناك فرق بين من اكتسب محرماً قبل أن يكون مسلماً، وبين مسلم يكتسب مالاً حراماً، فالأول إسلامه يجبّ ما قبله، والثاني محاسب، بل إن غير المسلم إذا أسلم لا يقرّ على المحرّم لذاته كالخنزير، ولا على ما أخذه من حقوق العباد، ولا على قبض ما لم يقبضه بعد من المحرّم، فالله تعالى يقول: "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف" .
- والمحرّم إذا كان معيناً بعينه بحيث يعرف قدره وعدده يتم التخلص منه بعينه بأن ترجعه إلى مستحقه، أو تنفقه في وجوه الخير، وإذا اختلط حلالك بالحرام، فأخرج قدر الحرام والباقي حلال، لأن الحرمة تتعلق بجهة الكسب فيه وليس بالدرهم بذاته وبهذا أفتى ابن رشد المالكي فقال: "وما كان من ربا تصدق بالزائد على رأس ماله، فإن فعل ذلك صحت عدالته وطاب ما بقي من ماله" .
- والدليل القوي في التخلص من الحرام بالطريقة التي ذكرناها، قوله تعالى: "وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون"، (الآية 279 من سورة البقرة) .
- ويبقى بعد ذلك أن تعرف كيف تتخلص من المال الحرام، فإذا ترتبت على إرجاعه إلى صاحبه مفاسد أكبر، ففي هذه الحالة لا يطالبك الشرع بأن تعالج الضرر بضرر أكبر، فالله تعالى يقول: "فاتقوا الله ما استطعتم" . وبإمكانك إيصاله إليه كحق من غير أن يعلم كيف رجع إليه، وما دمت قد تبت إلى الله تعالى، فيرجى من الله في القيامة العفو عنك أو الأخذ من حسناتك لصاحب الحق .

د . عارف الشيخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"