الأمن القومي عربياً وإقليمياً ودولياً

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

من الطبيعي أن ننظر إلى الأمن القومي لبلادنا – عربياً – من ثلاث زوايا تحمل المنظور الوطني، والإقليمي، ثم العالمي. لأننا جزء يتأثر ويؤثر في تلك المنظومة المتصلة ببعضها.
 إن الدولة بمختلف مؤسساتها تبني مفهومها للأمن القومي، كأساس لحماية كيانها، من أي تهديد قائم في الظروف الراهنة، أو قد يكون متوقع الحدوث مستقبلاً، سواء بدرجة مؤكدة أو حتى محتملة. ويتم تجهيز قواعد وآليات التعامل مع هذه التهديدات.
وطبقاً لمفهوم الأمن القومي كما حددته، فيتم تحديد من هو العدو. وما إذا كان عدوّاً لديه قدرات تهديد بقاء الأمة، أم أن حدود القدرة لديه لا تصل إلى ذلك.
ولقد كان مفهوم الأمن القومى في سنوات الحرب الباردة، يقدم لطرفي الصراع، رؤية متكاملة لصورة العدو الذي يواجهه وبالتالي يسهل على كليهما تجهيز مؤسساتها بأدوات إدارة الصراع.
ثم انتهت الحرب الباردة عام 1991، فحدثت انعكاسات عديدة، لذلك على طبيعة الصراع، وعلى العالم بأكمله.
ولما كانت مهمة حماية الدولة ومواطنيها في فترة الحرب الباردة، تتركز في المقام الأول على الحماية ضد أي هجوم عسكري، فإن التحولات التي شهدها العالم بعد ذلك أدخلت ضمن مفهوم الأمن القومي وبدرجة رئيسية أبعاداً غير عسكرية، يتصدرها الأمن الاقتصادي، ثم أمن البيئة، والأمن ضد الإرهاب، ومواجهة الجريمة المنظمة، وأمن الطاقة، وأمن الغذاء، والأمن السيبراني، وتغير المناخ، وتأثيرات الكوارث الطبيعية، ثم ما ظهر من تهافت قدرات الأمن الصحي لدى قوى كبرى، تأثراً بوباء كورونا.
كل ذلك دفع البعض لتوسيع النظرة إلى مفهوم الأمن القومي، ومد مساحته من الدائرة المحلية، إلى البعدين الإقليمي والدولي.
   وفي كيفية التعامل مع هذه القضية تعتمد الدول على عدد متنوع من الإجراءات السياسية، والدبلوماسية والاقتصادية، مع استمرارية مبدأ القوة العسكرية، بالإضافة إلى الدعوة لأن يكون تعامل الأمن القومي مجهزاً لمواجهة تهديدات قد تكون عادية في حسابات بعض المؤسسات، وإن كانت تداعياتها لا تبقيها في دائرة المخاطر العادية.
هذه التطورات في معنى الأمن القومي ليست بعيدة عن دراسات علم السياسة، المختص بدراسة السياسات، والقوى الدولية، من زوايا داخلية، وعالمية، وبصورة شاملة. وكان علم السياسة في السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين، وبعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب الباردة، قد استقر على مفهوم للأمن القومي، يرى أن القوة العسكرية، لم تعد هي أهم مكونات الأمن القومى للدولة، بل صعدت إلى نفس درجة أهميتها القدرة الاقتصادية التنافسية، وربما تتجاوز قيمتها البعد العسكري في بعض الأحيان.
   والآن يسعى علم السياسة إلى عدم الفصل بين مصادر التهديد داخلياً، وبين ما تتعرض له أمم أخرى من تهديدات مشابهة، تمس الجميع على السواء، ومنها جائحة كورونا.
  أمام هذه المستجدات لم يعد يغيب عن هذه الدراسات أن تغير طبيعة المواجهة التي سبق أن ميزت استراتيجية الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، في فترة الحرب الباردة، قد أوجدت أطماعاً منفلتة لدول إقليمية لاستغلال، ما اعتبرته فراغاً استراتيجياً في مناطق جوارها، نتيجة تناقص الصراع بين هاتين القوتين، والتي كانت كل منهما تعمل على زيادة مناطق نفوذها. وهو ما فعلته إيران، وتركيا، وإسرائيل، مستخدمة ميليشيات من المرتزقة. يضاف إليهما سجل إسرائيل في اغتصاب أراضي وحقوق الفلسطينيين.
وبالنظر إلى رؤية منتديات في الغرب للدائرة العربية للأمن القومي، جرت في السنوات الأولى من القرن العشرين، فقد وجدنا اتفاقاً فيما بينها على أن منطقتنا الإقليمية، ستظل مستهدفة، كلما وجدت مجموعة الدول الطامعة، أمامها فراغاً استراتيجياً، يدفعها للزحف في اتجاهه، يعززه من وجهة نظرها تقلص عمل استراتيجيات القوى العظمى السابقة، والتي كان الصراع فيما بينها يدفع كل منهما لمد نفوذها إلى هذه المناطق.
وحسب ما اتفقت عليه هذه المنتديات في الغرب – أمريكا وأوروبا – فإن المسألة معلقة بإمكان دول الإقليم ملء الفراغ الاستراتيجي لديها، حماية لأمنها القومي، وليكون في ذلك ردع لكل الطامعين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"