انتصار صغير يكفي

04:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

عندما تبلغ الموجة ذروة عنفوانها لا يكون أمامها إلا أن تنكسر وتتلاشى أو تطيح بكل ما يصادفها وتدمره. والحرب التجارية المشتعلة حالياً بين الولايات المتحدة والصين تنتظرها إحدى النهايتين. ما يتمناه العقلاء ويسعون إليه هو أن يتحقق السيناريو الأول. وهذا هو الأرجح لأن استمرار المواجهة بوتيرتها الحالية سيكون مدمراً للطرفين بل للاقتصاد العالمي برمته.
ما يدعو للتفاؤل هو أن البلدين يعرفان تماماً أنهما يخوضان حرباً لن يخرج منها أحدهما منتصراً، ومن ثم فهما لا يريدان هذه الحرب ولا يحتملانها. ومهما طال وقت الصدام أم قصر سيبحثان عن نهاية مشرفة يدعي بعدها كل منهما أنه حقق هدفه. وأغلب الظن أن يكون ذلك في مدينة أوساكا اليابانية أواخر الشهر المقبل عندما تلتئم قمة العشرين. وعلى هامشها ستكون الفرصة مواتية لعقد قمة جانبية بين الرئيسين الأمريكي والصيني يعلنان بعدها انتهاء الصدام أو على الأقل إبرام هدنة.
من الصعب تصور أن معركة رفع الرسوم الجمركية التي بدأتها واشنطن وردت عليها بكين بالمثل يمكن أن تستمر لفترة طويلة. التاريخ يقول إنها لم تكن مفيدة في الماضي وبالتالي لن تكون مربحة الآن. النموذج الأقرب للذاكرة هنا يعود لعام 2009 عندما فرض الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما رسوماً جمركية عالية بقيمة 35% على الواردات الصينية من إطارات السيارات بدعوى حماية الوظائف في بلاده. غير أن معهد بترسون للاقتصاديات الدولية أجرى بحثاً بعد ذلك بثلاثة أعوام أثبت فيه أن المستهلك الأمريكي تحمل نحو 1,1 مليار دولار إضافية في عام 2011 نتيجة ارتفاع أسعار الإطارات. ووجد أيضاً أنه رغم إنقاذ 1200 وظيفة فإن إنفاق المستهلك الأمريكي على سلع التجزئة تراجع وبناء عليه تراجع حجم العمالة في هذا القطاع. يضاف إلى هذا أن الصين ردت بفرض رسوم إغراق على وارداتها من الدجاج الأمريكي ما كلف هذه الصناعة نحو مليار دولار نتيجة انخفاض المبيعات.
يدرك الاقتصاديون الأمريكيون أن هذا السيناريو بالضبط يحدث الآن وهو ما يحاولون إقناع الرئيس دونالد ترامب به رغم أنه يصر على أن الاقتصاد الأمريكي يربح وأن الخزينة ستكون متخمة بأموال عائدات التعريفات الجمركية الإضافية. قد يكون هذا صحيحاً جزئياً ولكن ما لا يريد ترامب الاعتراف به هو أن قيمة هذه الرسوم لا ولن تدفعها الشركات الصينية بل الشركات الأمريكية المستوردة ثم المواطن الأمريكي في النهاية.
وعلى سبيل المثال يقدر الخبراء في بنك الاحتياطي الفيدرالي لنيويورك وأساتذة جامعتي برينستون وكولومبيا أن الرسوم الإضافية على السلع القادمة من الصين تكلف الشركات والمستهلكين في الولايات المتحدة نحو ثلاثة مليارات دولار شهرياً، يضاف إليها 1,4 مليار خسائر مرتبطة بتراجع الطلب نتيجة زيادة الأسعار.
هناك دراسة أخرى أعدها بيلوبي جولدبيرج كبير الاقتصاديين في البنك الدولي بمشاركة آخرين وجدت أن المستهلكين والشركات في أمريكا يتحملون بالفعل معظم تكاليف الرسوم الجمركية الإضافية. النتيجة الأخطر بالنسبة لترامب هي أن الدراسة أكدت أن الفئات الأكثر تضرراً من الرسوم التي ردت الصين بفرضها تضم المزارعين والعمال. والفئتان من أكبر الكتل الانتخابية الداعمة لترامب. يفسر هذا لماذا سارع بتخصيص 15 مليار دولار لدعم المزارعين المتضررين.
لا يعنى هذا أن هجمة التعريفات الجمركية والعقوبات على الشركات الصينية لن يكون لها تأثير سلبي في اقتصاد بكين. هناك بالفعل خسائر تتحملها الصين رغم صمودها.
وإذا كانت لا تنوي أن تلتهم فاكهة مرة بعد الآن، كما قالت صحيفة «الشعب» الصينية في إشارة إلى رفض المطالب الأمريكية، فإنه في الوقت نفسه لا يمكن للصينيين أن يتجاهلوا أن اقتصادهم يشهد تباطؤاً. كما أن صادراتهم للولايات المتحدة تراجعت بنسبة 9% في الربع الأول من العام الحالي. ولا يمكنهم التشبث بمواقفهم دون تقديم تنازلات محسوبة.
والحسابات الواقعية تقول إن كل طرف سيكتفي بنصف انتصار ونصف هزيمة لكي يعلن أن الحرب انتهت لمصلحته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"