مخاطر تقسيم العراق

05:03 صباحا
قراءة 4 دقائق
الدرس الذي استخلصه نوري المالكي من اجتياح داعش للموصل ومناطق واسعة في العراق، هو تشبثه بالحكم بصورة شبه منفردة، معتبراً حكومة إنقاذ وطني تنهض بشراكة وطنية بأنها انقلاب على الانتخابات!
مطلب حكومة كهذه يتحدث به العالم كله باستثناء إيران وروسيا . وكذلك يتحدث به فرقاء عراقيون . المالكي يتجاهل الجذر السياسي لتضخم داعش، ويعتبر أن أية حكومة لا يقودها بأنها انقلاب عليه! الانتخابات تمت في ظروف غير طبيعية وملتبسة، فقد استقالت الهيئة المشرفة على الانتخابات البرلمانية قبل إجرائها، ثم تمّ سوق هذه الهيئة سوقاً للإشراف على الانتخابات التي لم تعلن نتائجها سوى بعد بضعة أسابيع على إجرائها، من دون أن يشهد شاهد معتبر على نزاهة الانتخاب، وسلامة عملية الفرز وجمع النتائج وإعلانها .
إذاً يرفض المالكي أي احتواء للأزمة السياسية المحتدمة، مكتفياً بالحديث عن "مؤامرة عظمى متعددة الأطراف"، وبمواجهات دامية في هذا الموضع أو ذاك من الديار العراقية، وهو بالمناسبة أمرٌ كان قائماً قبل اجتياح داعش ولا جديد فيه إلا البؤس المتجدد، والعجز عن أية مقاربة سياسية ووطنية تجمع العراقيين وتحيي الأمل لديهم بعراق واحد موحد لجميع أبنائه . لكن هذا الهاجس الوطني لا وجود له لدى الرجل، رغم المخاطر المحيقة التي تُحرّك الصخر . فمنطق الغلبة والتغليب والخطاب الفئوي هو الذي يستحوذ عليه، وعروبة العراق وعمقه التاريخي والقومي لا تعني له شيئاً، حيث إن وحدة العراق لا تعني له الكثير، فوحدة التراب الوطني والسيادة عليه، تتطلب ابتداء التقاء سائر المكونات الاجتماعية والتكافؤ الوطني بينها، واجتراح شرعة تجمعها . لا القفز عن ذلك كله بذريعة انتخابات مشكوك بسلامتها .
بدلاً من ذلك يدعو المالكي الأفرقاء إلى حوار من منطق فوقي يعكس جمع مصادر السلطة بين يديه، بالإضافة إلى جيوش قطاع خاص يتعهدها بالرعاية والتمويل وبموازاة ما يُفترض أنه جيش وطني وبالضد منه . حوار كهذا جرى عشرات المرات، وقد تم استخدامه دائماً كذر للرماد في العيون . وأمام هذا الشذوذ السياسي المتمادي، الذي يعكس في حقيقة الأمر إنشاء واقع تقسيمي فعلي على الأرض وإزاء الناس وفي نفوسهم،، فإنه لم يعد مستغرباً أن تنطلق أصوات على الضفة الأخرى تتحدث عن التقسيم كخيار اضطراري، تفادياً للتذابح، وفي مواجهة عزوف المالكي عن تمثيل سواد العراقيين .
القيادي في قائمة "متحدون للإصلاح" في العراق عبد القهار السامرائي، اعتبر بلغة لا ينقصها الوضوح أن الكتلة السنية يجب أن تحكم نفسها بنفسها، عبر إعادة تقسيم البلاد، وذلك في برنامج تلفزيزني بثته "محطة الجزيرة" مساء الأربعاء الماضي 25 يونيو الجاري .
الدعوات للشروع في التقسيم لم تكن من قبل بهذه الدرجة من الوضوح والعلانية . لكن حين يكون التقسيم واقعاً فعلاً على الأرض، وحين يتصرف المالكي بمنطق الغالب ضد شريحة كبيرة من شعبه يعتبرها مهزومة وفي موضع الاتهام (لا تقلّ عن عشرة ملايين نسمة)، فإن خيار التقسيم يصبح حقاً ومع انغلاق الأفق هذا، خياراً سياسياً مُرّاً، وذلك تفادياً لما هو أسوأ وهو حرب أهلية تدميرية . هو وما عبّر عنه سياسي آخر هو نائب رئيس الوزراء صالح المطلق، الذي قال بدوره في حديث تلفزيوني الخميس 26 يونيو الجاري، أن العراق لا يمكن أن يبقى موحداً في ظل استمرار نهج حكومة المالكي القائم على الإقصاء والتهميش والتفرد بالسلطة . مؤكداً أن فكرة إنشاء إقليم سني أخذت تلقى قبولاً واسعاً بين السنة بعد أن كانوا أول الرافضين للفكرة منذ تغيير نظام صدام حسين وذلك بامتناعهم عن المشاركة في الاستفتاء على الدستور عام 2005 . وأوضح أنه "إذا ما شعرنا بأننا وصلنا إلى طريق مسدود ولا توجد نية صادقة لرفع الظلم فهذا سيوصلنا إلى إقليم خاص بنا" .
تأتي هذه التطورات، في وقت يعلن فيه الأكراد أن سيطرتهم على كركوك نهائية وأنه ليس في نيتهم الانسحاب منها، فيما يعلن مسعود البرزاني رئيس الإقليم لدى استقباله وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، بأنه قد آن الأوان لإعلان استقلال الإقليم الكردي، أما رئيس وزراء الإقليم الكردستاني نيجرفان البرزاني فإنه لا يكتم تأييد حكومته لإنشاء إقليم سني . .
التحالف بين الطرفين هو تحالف متضررين من قصر نظر الحكم القائم في بغداد، مع الأخذ في الاعتبار أن استقلال كردستان هو هدف استراتيجي معلن يتم طرحه أحياناً في صيغة كونفدرالية تجمع دولتين، بينما خيار التقسيم أو الانفصال إذا ما تم المضي به لدى الكتلة السنية الكبيرة فهو خيار اضطراري في مواجهة حُكم يحكم فعلياً بمنطق التقسيم، ويقسم الشعب عملياً وواقعاً إلى شعبين . وبالطبع فليس ذلك بالخيار الجيد أو الصالح، ولا سابق له في تاريخ العراق الحديث .
الغيورون على وحدة العراق أرضاً وشعباً ومؤسسات، مدعوون إلى رفع الصوت ضد السياسات المتطرفة أياً من كان يعتمدها ويتبناها، وخاصة ضد من ينفذها على أرض الواقع وبصرف النظر عن الشعارات التي يطلقها، وكذلك ضد التدخلات الخارجية في هذا البلد أيا كان مصدرها دولاً قريبة أم بعيدة، أم مجموعات وجماعات، مع تجريم وجود كل المليشيات الداخلية منها وخارجية المنشأ سواء بسواء، هذا إذا أريد للعراق أن يبقى فعلاً وطناً واحداً وموحداً لجميع أبنائه .

محمود الريماوي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"