خطوات إضافية في اتجاه الحرب الباردة

04:25 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. غسان العزي

في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في ذكرى مرور ربع قرن على انهيار جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة، علق ميخائيل غورباتشيف على الأزمة الأوكرانية بالقول إن العالم يعيش على حافة حرب باردة جديدة. ورد عليه مراقبون بالقول إن هذه الحرب بدأت بالفعل. في الواقع لقد عاد مصطلح «الحرب الباردة» للتداول تحديداً منذ خطاب فلاديمير بوتين في مؤتمر الأمن الدولي في ميونيخ في فبراير/شباط ٢٠٠٧ الذي فاجأ المراقبين بانتقاداته اللاذعة ل«الذئب الأمريكي» الذي «لا يفهم إلا لغة العصا».
والحقيقة أن كل الخلافات الأمريكية-الروسية لا ترتقي إلى مستوى الحرب الباردة التي عرفها العالم طوال نيف وعقود أربعة طويلة في القرن المنصرم. رغم ذلك تخطو العلاقات بين الدولتين العظميين، في كل يوم جديد، خطوة إضافية في اتجاه ما يمكن تسميته بحرب باردة جديدة، ولو اختلفت شكلاً ومضموناً عن سابقتها.
وآخر هذه الخطوات تحول التصعيد اللفظي بين واشنطن وموسكو إلى تصعيد عسكري، تمثل في قرار واشنطن نشر أسلحة جديدة ثقيلة في شرقي أوروبا، الأمر الذي استفز القيادة الروسية فقررت الرد عليه بخطوات عملية هي الأخرى.
تستعد واشنطن لنشر مئتين وخمسين قطعة سلاح متطور جديدة، منها أربعين دبابة ثقيلة من طراز «آبرامز» و١٤٠ عربة مصفحة طراز «برادلي»، وعشرين مدفعاً أوتوماتيكيا ثقيلاً، في بلغاريا ورومانيا وبولونيا ودول البلطيق الثلاث. إنها المرة الأولى التي يتم فيها نشر مثل هذه الاسلحة في هذه الدول التي كانت تنتمي إلى المعسكر السوفييتي السابق. كذلك أرسلت واشنطن ستمئة جندي إلى هذه المنطقة للمشاركة في مناورات عسكرية مقبلة، كما أعلن الناطق الرسمي باسم "البنتاغون" الأميرال جون كيربي: «منذ الاعتداء الروسي على أوكرانيا ندرس الوسائل الممكنة لطمأنة حلفائنا وشركائنا». مضيفاً «إنها رسالة إلى موسكو فهذا هو التعبير العملي عن التزاماتنا الأمنية حيال أوروبا». بدوره أعلن الأمين العام للحلف غينس ستولتنبرغ، في ٢٤ يونيو/حزيران الماضي، أن وزراء دفاع دول الحلف قرروا رفع عديد قوة التدخل الأطلسية من ١٣ ألفاً إلى ٣٠ ألف رجل.
ورد فلاديمير بوتين بالإعلان عن نيته نشر أربعين صاروخاً بالستياً عابراً للقارات على الحدود الروسية، من هنا إلى نهاية العام الجاري. وصرح بأنه «إذا قام أحد بتهديد حدودنا فهذا يعني أن علينا توجيه قوانا المسلحة وقواتنا الضاربة نحو الأراضي التي يأتي منها هذا التهديد». وفي ٢٤ من يونيو/حزيران الماضي وجه بوتين أمراً بتمديد العمل بالقرار المتخذ في أغسطس/آب ٢٠١٤ والقاضي بمقاطعة روسيا للمنتجات الغذائية الأوروبية والأمريكية، إلى يونيو/حزيران من العام ٢٠١٦. وكان هذا القرار بمثابة رد على العقوبات الاقتصادية التي أقرها الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، والتي عمدت بروكسل إلى تمديد العمل بها حتى يناير/كانون الثاني ٢٠١٦ المقبل.
بالطبع، تعكس التوترات الحالية بين موسكو وواشنطن صراع نفوذ يتمحور خصوصاً حول أوكرانيا. أحد أهداف بوتين عندما قام باسترجاع شبه جزيرة القرم ونشر قوات عسكرية في شرق أوكرانيا، كان منع هذه الأخيرة من الانضمام لحلف الاطلسي، وهو انضمام من شأنه تضييق الخناق حول روسيا من قبل الحلف.
هذه التوترات لا يبدو أن جذوتها سوف تنطفىء عما قريب، في وقت يعود فيه العنف تدريجياً إلى أوكرانيا (مقتل جنديين أوكرانيين، في ٢٠ يونيو/حزيران المنصرم في مواجهات عسكرية مع الانفصاليين) بعد أشهر من الهدوء. وبعد أربعة أشهر على اتفاقات مينسك ينشط فرقاء النزاع على الأرض. فقد اجتمع هولاند وميركل ببوتين، في ٢٢ يونيو/حزيران الماضي، ولكن من دون إحراز تقدم. كذلك كان اجتماع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا، في باريس، من دون جدوى. من هنا قرار الأوروبيين تمديد العمل، لمدة ستة أشهر جديدة، بالعقوبات الاقتصادية الأوروبية ضد روسيا.
على صعيد آخر، للمرة الثانية لم يدع بوتين إلى قمة جماعة السبعة لكنه كان في قلب نقاشاتها. ففي البيان الختامي للقمة،في ٢٢ يونيو/حزيران الماضي، أكد "السبعة" أن مدة العقوبات مرتبطة مباشرة باحترام روسيا لسيادة أوكرانيا. لقد شكل قرار الرئيس كلينتون، في العام ١٩٩٦، بضم روسيا إلى جماعة "السبعة" التي أضحت ثمانية، خطوة كبيرة بعيداً عن الحرب الباردة الآفلة. واليوم، فإن قرار استبعادها، منذ ضمها للقرم، يعتبر خطوة في الاتجاه المعاكس.
خطوة أخرى أكثر خطورة في اتجاه حرب باردة جديدة تتمثل في احتمال قيام واشنطن بنشر صواريخ كروز برؤوس نووية في أوروبا بذريعة انتهاك موسكو معاهدة القوى النووية متوسطة المدى الموقعة بين البلدين في العام ١٩٨٧ عبر اختبارها صاروخاً عملياتياً وتكتيكياً من طراز آر-٥٠٠. هذا ما ورد في تقرير سري للجنرال مارتن ديمبسي رفعت السرية عن جزء منه. وقد رد وزير الخارجية الروسي لافروف، في ٩ يونيو/حزيران الماضي، على المزاعم الأمريكية بالقول إن الصاروخ الروسي المذكور لا يخضع للمعاهدة المذكورة لأن مداه يزيد على ٥٥٠٠كلم. ويبدو أن لندن، بحسب وزير خارجيتها فيليب هاموند، تستعد لاستقبال عدد من الصواريخ النووية الأمريكية التي أزيلت من قواعد بريطانية في العام ٢٠٠٦.
والعودة المحتملة للصواريخ النووية الأمريكية إلى أوروبا خطوة إضافية، هي الأخرى، في اتجاه هذه الحرب الباردة الجديدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"