ماذا يتوقع الرئيس الفلسطيني؟

04:52 صباحا
قراءة 3 دقائق

إن مراقبة دقيقة لمجريات المفاوضات المباشرة التي تدور منذ مدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أمريكية، تعطي من يقوم بها انطباعاً بأن الجانب الفلسطيني المسترسل في مفاوضات لاطائل دونها كأنه مصاب بغيبوبة سياسية، تجعله غير مدرك للاحتمالات والاستحالات التي تسير المفاوضات في اتجاهها .

وحتى لا نغرق، ونغرق معنا القارئ في تفاصيل قصة إبريق الزيت، التي تكرر نفسها بلا كلل أو ملل، فإننا نكتفي بالأحداث الأخيرة لهذه المفاوضات، الأكثر طزاجة .

آخر أخبار هذه المفاوضات، كما ورد في أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، يشير إلى قنبلة أطلقها رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض، الرئيس أبو مازن، في وجه مفاوضه الإسرائيلي العنيد والمخادع والقوي . لقد ربط محمود عباس في عبارة واحدة بين هدفه الأسمى (دولة فلسطينية) وبين أقوى مسؤول على وجه الكرة الأرضية، فقال بلسان فصيح: الدولة الفلسطينية دين في عنق الرئيس أوباما .

ماذا يتوقع محمود عباس من نتائج عملية لإطلاقه هذه العبارة المدوية؟

هل يتوقع مثلاً أن يربط الرئيس الأمريكي برباط لا فكاك منه، ليفرض على إسرائيل إقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت في العام ،1967 وعاصمتها القدس الشرقية . كما يفرض عليها الانصياع لموجبات حق الفلسطينيين بالعودة؟

تعالوا، نحاول جدياً، تفحص الفرص الواقعية لإنجاز مثل هذا الحلم الذي أطلقه أبو مازن .

لقد انقضى حتى الآن النصف الأول من الولاية الرئاسية للرئيس الأمريكي أوباما، فماذا أنجز على صعيد القضية الفلسطينية؟ بعبارة أخرى: ماذا استطاع الرئيس أوباما أن يفرض على إسرائيل في مسيرة الحل السلمي للقضية الفلسطينية، بما لم يستطع من سبقه من الرؤساء الأمريكيين فرضه؟ وبالأخص الرؤساء بوش الأب وكلينتون وبوش الابن؟

خلاصة الموقف الذي استغرق سنتين كاملتين، أن الرئيس أوباما حاول إحراج إسرائيل في موضوع واحد فقط، هو موضوع بناء المستوطنات في القدس وبقية الأراضي المحتلة، ولم يكن هذا الضغط الرئاسي الأمريكي يتوجه إلى تطبيق القانون الدولي بوقف نهائي للاستيطان في الأراضي المحتلة . إن أقصى ما كان يطمح إليه الرئيس الأمريكي، هو إيقاف مؤقت للاستيطان لا يتجاوز الشهور الثلاثة، في أقصى مدى . ولقد قدم أوباما ل إسرائيل ما لا تحلم به لإقناعها بالطلب الأمريكي . لم يوجه إلى إسرائيل أي نوع من أنواع الضغط، الذي تملك الولايات المتحدة عشرات من وسائله، بحكم الاعتماد الإسرائيلي الكامل عليها، لكنه حاول معالجة الموقف بمزيد من الدلال، فمنح إسرائيل سرباً من آخر ما انتجته المصانع الحربية الأمريكية من مقاتلات جوية (إف- 35) .

وأضافت الإدارة الأمريكية إلى ذلك، رسالة ضمانات أمنية ل إسرائيل، بتعهدات أمريكية ملزمة لسنوات طويلة مقبلة، كل ذلك فقط في سبيل ثلاثة أشهر فقط من وقف الاستيطان .

لقد فعل الرئيس أوباما كل ذلك، وباء بالفشل الكامل والمدوّي، وهو في ذروة قوته وسلطته في البيت الأبيض، عندما كان لا يزال يملك الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، فما عساه فاعل الآن بعد أن فقد الأغلبية مجلس النواب أمام الجمهوريين، أعتى حلفاء إسرائيل في الإدارة الأمريكية؟

الحقيقة أن الرئيس عباس تحوّط لهذا الاحتمال، فهدد باللجوء إلى مجلس الأمن ليستخلص منه حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم . ولكن ألم يسمع الرئيس عباس حقاً بشيء اسمه حق النقض (الفيتو) الذي ما زالت واشنطن تستخدمه لمصلحة إسرائيل في مجلس الأمن منذ إنشائها؟

ليس هناك ما يجبر أكثر من موقف الرئيس محمود عباس، الذي يجعلنا لا نفهم ماذا يتوقع حقاً من استمرار المفاوضات، في ظروف ميزان القوى الراهنة، وماذا ينتظر بالتالي لوقف هذه المهزلة السوداء، والخروج بشرف وكرامة من دوامة المفاوضات التي لا تنتج سوى المزيد من طحن ما تبقى من الآمال والحقوق الفلسطينية، تحت مزيد من التطرف الإسرائيلي، والانحياز الأمريكي؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"