عادي

«اختراع العزلة».. سيرة حياة معقدة

00:32 صباحا
قراءة 3 دقائق
2001

الشارقة: علاء الدين محمود

يعرف القراء في مختلف أنحاء العالم الأمريكي «بول أوستر»، كشاعر كبير وروائي مختلف، له العديد من الإصدارات المترجمة إلى العربية، لكن كتابه المعنون ب«اختراع العزلة... بورتريه لرجل غير مرئي»، يكتسب أهمية خاصة، لكونه يعتبر مفتاحاً ومفسّراً لكل أعماله الأدبية من شعر وسرد، وذلك ما عناه عندما قال عن الكتاب: «إنه، بشكل أو بآخر، جوهر أعمالي كلها»، مشيراً إلى أن العمل يناقش الكثير من الأسئلة المتعددة التي عادة ما يطرحها في أعماله ومؤلفاته الروائية والشعرية.

والكتاب هو عبارة عن مذكرات كتبت بصورة دقيقة تشتمل على رؤية فلسفية وفكرية، ولعل من أكثر الأشياء التي جعلت الكتاب يجد رواجاً وصدى كبيراً بين القراء تلك التداعيات التي حدثت عقب صدوره، حيث أثار المؤلف غضب عائلته الكبيرة، إلى حد أنهم قد اتهموه صراحة بالكذب وتلفيق الوقائع، وذلك يشير إلى الأحداث الصادمة التي تناولها «أوستر» في تلك المذكرات الساخنة والحافلة بالتشويق والإثارة إلى حد أن كثير من النقاد قد صنفوها كعمل روائي بامتياز، وذلك يدلل على الأسلوبية الأدبية الرائعة والحس الإبداعي الرفيع لدى الكاتب الذي عاش حياة قاسية بتفاصيل معقدة ومركبة وشديدة الحساسية، وربما لم يجد من سبيل نحو التعافي من ثقل تلك الذكريات إلا عبر الكتابة المختلفة التي أنتجت هذا المؤلف الفريد الحافل بالدروس والعبر والإشارات النفسية والفكرية.

لقد عاش «أوستر»، طفولة صعبة وقاسية، وذلك ما تناوله بصورة معمقة في الكتاب الذي يتحدث بصورة أساسية عن والده الذي مات فجأة، وعن علاقته المعقدة به، ويقول في استهلال وصف وفاة الوالد: «أتذكر أنني لم أذرف دمعاً ولم أشعر بالعالم يتهاوى من حولي، ويا للغرابة، لقد كنت مستعداً، بشكل لافت لتقبل الموت على الرغم من بغتته»، وتلك الكلمات تعبر بعمق شديد عن طبيعة العلاقة الغريبة لأوستر بذلك الأب الذي كان صعب المراس، ويستعيد الكاتب سيلاً من الذكريات التي جمعتهما معاً، فقد كان الابن يفتقد والده، حيث لم يجد منه دعماً أو سنداً في حياة الطفولة والشباب، كان الوالد بعيداً كل البعد عن العائلة والأبناء فقد تركهم وهاجر إلى فرنسا، كان لأوستر شقيقة تقاسمه تلك المشاعر تجاه الوالد، فقد كان البيت يضج بالمشاكل بين الأم والأب، فسرب ذلك الأمر الشعور بعدم الأمان لدى كل من أوستر وشقيقته وبدأت العقد النفسية تجد طريقها سهلاً إلى نفسيهما، لقد رسخ الأب بممارسته الفظة فيهما شعور الخذلان والانكسار، لذلك يصفه أوستر قائلاً: «هو شخصية خيالية، رجل ذو ماضٍ مُظلمٍ، أما حياته الحاضرة فلم تكن سوى محطة وقوف فقط»، لقد صنع ذلك الأب بشخصيته الغامضة جداراً من العزلة على نفسه وأسرته، فقد عاش بعيداً عنهم وجعلهم فريسة للتيه والتخبط.

اكتشاف

لكن القصة لا تنتهي على هذا المنوال، فأوستر يحاول في المذكرات، اكتشاف العالم المغيب من شخصية أبيه، لقد بدأ رحلة البحث عن والده الميت، عن الأسباب والمبررات التي دفعته للتعامل الغريب مع أسرته، فبدأ أوستر يقلب دفاتر والده القديمة ليكتشف أن هنالك قصة قديمة تتعلق بجده والد أبيه والذي قيل إنه قد مات مقتولاً على يد الجدة، حينها كان والد أوستر طفلاً صغيراً، بالتالي يتعرف أوستر على جانب خفي ومظلم في حياة الأب هي التي أسهمت في صناعة شخصيته المعقدة والغامضة، لكنه اكتشاف متأخر؛ فقد مات الوالد ولم يتبق منه غير ذكرى غائمة غير واضحة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"