عادي

بيلاروسيا.. بوصلة القمة بين العملاقين

22:04 مساء
قراءة 4 دقائق
1

كتب: المحرر السياسي

القمة المرتقبة بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين، ربما تكون سبباً لتصعيد التوتر في جوار روسيا، خاصة بيلاروسيا، وقد تكون أيضاً نافذة للتهدئة فيها وفي غيرها من بؤر التنافس التي تشهد تسخيناً مؤقتاً، في حال حازت ملفات القمة حداً أدنى من التوافق، وهو أمر لا يبدو مرجحاً حتى الآن، على الأقل.

ربما تقدم حادثة تغيير مسار طائرة «راين إير» وإجبارها على الهبوط في مطار ميسنك، ما يكفي من دلائل على استعداد كلا الطرفين لتجاوز الخطوط الحمر عندما تقتضي المناورة، وذلك من أجل تأكيد حضورهما وثبات مواقفهما قبيل بدء جلسات التفاوض الرسمي.

وقد شدد بوتين إبان انعقاد جلسة أعمال المنتدى الاقتصادي في سانت بطرسبرج، على خطأ موقف الولايات المتحدة، لا سيما في ما يتعلق بحكمها على الطريقة التي تعاملت بها حكومة موسكو مع المنشقين. وقارن بوتين بين ما جرى في مبنى الكابيتول الأمريكي قبل تنصيب بايدن، والطريقة التي تعاملت بها السلطات البيلاروسية مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

وقال: «نحن بحاجة إلى إيجاد طريقة لتحسين العلاقات التي هي حالياً في مستوى منخفض للغاية. ليست لدينا مشكلة مع الولايات المتحدة، لكن لديهم مشكلة معنا: إنهم يريدون عرقلة مشاريع التنمية لدينا ويضعون القيود الاقتصادية ويحاولون التأثير في سياساتنا الداخلية».

لكن التفاصيل قد توحي بما هو أبعد من مجرد التدخل في الشؤون الداخلية الروسية كما يقول بوتين. فما يجري في بيلاروسيا منذ أشهر ينم عن تصميم نظامها بقيادة ألكسندر لوكاشينكو المدعوم من روسيا، على تأكيد سطوته على البلاد من خلال إخضاع حركة المعارضة التي هددت بقاء نظامه بعد انتخابات 2020، التي تصفها دوائر الغرب والمعارضة المحلية بالمزورة. 

وكان للعقوبات المتواضعة التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تأثير محدود، بينما يصب الروس بسخاء كل أشكال الدعم المالي والعسكري والمعنوي على لوكاشينكو، متجاهلين ما يجري في البلاد.

وتواجه موسكو تعقيدات في ما يتعلق بأشكال الرد على احتجاجات المعارضين في بيلاروسيا. ويعتقد زعماء الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، أن الاختطاف الاستثنائي لرومان بروتاسيفيتش بعد تغيير مسار الطائرة التي كانت تقله، يجب أن يكون حافزاً لتغيير الاستراتيجية الروسية.

 عملية الاختطاف

وكانت العملية التي انتهت إلى اختطاف بروتاسيفيتش مع صديقته من رحلة «رايان إير»، أثناء عبورها المجال الجوي البيلاروسي في رحلة من أثينا إلى فيلنيوس، دليلاً لا يقبل الشك على أن عملاء المخابرات في بيلاروسيا، تبعوه على متن الرحلة التجارية، حيث تم تحويل الرحلة إلى مينسك لأسباب أمنية، كما قالت الحكومة البيلاروسية، برفقة طائرة مقاتلة من طراز «ميج 29».

وأثارت حادثة خطف الطائرة ردود فعل غاضبة في الغرب العاجز عن كبح تجاوزات لوكاشينكو ومن ورائه الروس. وقال وزير الخارجية الأيرلندي، سيمون كوفيني: «كان هذا عملاً عدوانياً على شركة طيران إيرلندية، مسجلة في بولندا، ملأى برعايا الاتحاد الأوروبي، تسافر بين عاصمتين من عواصم الاتحاد الأوروبي. إنه تجاوز لكل الخطوط الحمر».

واعتبرت منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أن بيلاروسيا انتهكت قوانين الملاحة الجوية وعرضت حياة المسافرين للخطر بعد قيامها بإنزال طائرة تحمل معارضاً شاباً وقطع رحلتها الجوية، بينما دافع الكرملين عن بيلاروسيا، قائلًا إنه ليس هناك ما يدعو لتكذيب رواية بيلاروسيا حول حادثة الطائرة، وإن السلطات البيلاروسية أنزلتها خوفاً من تفجيرها.

ويمعن لوكاشينكو في انتزاع المعارضين البارزين الذين ما زالوا طلقاء. وفي إبريل/نيسان، اعتُقل المتحدث السابق باسمه، ألكسندر فيدوتا الذي انضم إلى حركة المعارضة، في موسكو وأُعيد إلى مينسك، حيث اتُهم بمحاولة تنظيم انقلاب.

وينظر الغرب الليبرالي الذي يدعي حماية الديمقراطيات في العالم، إلى تلك التطورات في إطار تمادي «الحكومات الاستبدادية» في إسكات المعارضين خارج حدودها، باستخدام أساليب «القمع العابر للحدود» التي تراوح بين المضايقة عبر الإنترنت والتخويف، والاختطاف والاغتيال.

ويلاحظ أخيراً تحرك الدول الأوروبية بشكل خجول للتعبير العملي عن استيائها من تلك التجاوزات، حيث حظرت عبور طائرات بيلاروسيا أجواء القارة. وقال الاتحاد الأوروبي في بيان، الجمعة الماضي، إن دوله الأعضاء لن تسمح لأي طائرة تعمل من بيلاروسيا بالهبوط في المنطقة أو بالمرور في المجال الجوي.

  ‭ ‬تعاون استخباراتي

وبعيداً عن ما يخطط له الغرب من عقوبات،‬ أعلنت أجهزة الاستخبارات الروسية والبيلاروسية، الخميس الماضي، أنها ستعزّز التعاون في ما بينها في مواجهة سياسات الولايات المتحدة والدول الغربية العدائية، في تأكيد جديد لتنسيق مواقف البلدين، على خلفية التوتر الحالي بين السلطة والمعارضة في بيلاروسيا.

وعلى إثر حادثة الطائرة زار لوكاشينكو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي، جنوبي روسيا للبحث في تعميق التكامل الاقتصادي بين البلدين.

وقال لوكاشينكو بعد اللقاء إن نقل قوات روسية إلى بلاده لم يكن موضع تفاوض بين الرئيسين، لكن عندما تقضي الضرورة، فإن القوات الروسية تصل إلى بيلاروسيا في أقل من 24 ساعة.

وقال رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي سيرجي ناريشكين، ورئيس أجهزة الأمن البيلاروسية إيفان تيرتيل، إنهما اتفقا على تطوير خطة عمل مشتركة لمواجهة أنشطة الغرب التخريبية الهادفة إلى زعزعة الاستقرار، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.

وتعوِّل بيلاروسيا  على نحو متزايد  على روسيا. وقد يزداد اعتمادها على جارتها الكبرى إذا نفّذ الاتحاد الأوروبي تهديده بفرض عقوبات اقتصادية على قطاعين أساسيين في الاقتصاد البيلاروسي، هما نقل الغاز والبوتاس.

وقالت وزارة الخارجية البيلاروسية في بيان صدر عقب الزيارة، إنها خفضت عدد الدبلوماسيين والإداريين والفنيين في السفارة الأمريكية، دون تحديد عدد الموظفين الذين شملهم القرار.

ومن المرجح أن تستمر المفاجآت في تصعيد لهجة كل الأطراف إلى أن تتبدى خيوط الدخان الأبيض من قمة بايدن وبوتين، لتتغير الصورة تبعاً لما قد تتمخض عنه من تفاهمات، إن حصلت.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"