الخطر القادم من الشرق

04:17 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

عندما تتقارب أو تتحالف روسيا والصين، فلن يكون لهما عدو مشترك سوى الولايات المتحدة. وليس لشراكاتهما المتنامية، إلا هدف أسمى هو تدعيم قدراتهما على التصدي للهيمنة الأمريكية على العالم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وتحقيق وحماية مصالحهما التي تتناقض مع المصالح والأهداف الأمريكية، بل تصطدم معها.
يحق للأمريكيين، أن يشعروا بالقلق للتقارب الحالي بين البلدين، لكن لا يجب أن يلوموا إلا أنفسهم بعد أن دفعوا الدولتين دفعاً إلى طريق التقارب بفعل العقوبات التي فرضتها واشنطن عليهما، وإصرارها على سياسات لا تراعي مصالح ولا مشاعر الآخرين.
الصين من جانبها تعتبر أن النزاع مع واشنطن ليس مجرد حرب تجارية، بل هو هجوم متعمد على معجزتها الاقتصادية، ومحاولة لتهميشها دولياً وأبعادها عن موقع الصدارة الذي تستحقه كثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وترى الصين، الإجراءات الانتقامية الأمريكية ضد شركتها العملاقة هواوي للاتصالات باعتبارها الهجوم على رأس التنين، وأن الهدف بعد ذلك هو صناعة الاتصالات والتكنولوجيا المتقدمة في الصين ككل.
أما روسيا، التي تصر على أن تعتبر نفسها قوة عظمى، فهي لا تنظر إلى العقوبات السياسية والاقتصادية، التي فرضتها عليها أمريكا كأدوات للضغط أو تعبير عن خلافات أو حتى صراع مصالح، بل عدواناً مهيناً لكرامتها الوطنية لا يليق بمجدها ومكانتها وتاريخها وكبريائها القومي.
مظاهر التقارب بين العملاقين الشرقيين عديدة وأبعاده متعددة. وهي تتجاوز التعاون الاقتصادي المزدهر إلى أفق استراتيجي أرحب، يسعى إلى تطوير رؤية مشتركة للعالم وترسيخ شراكة إقليمية شاملة تكون الدولتان نواتها الصلبة.
وقد اعترف دان كوتس، مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية بهذا الواقع الجديد عندما كتب، أو قل حذر، في تقرير إلى الكونجرس من أن التقارب الصيني الروسي بلغ مستوى لم يصل إليه منذ منتصف الخمسينات.
يكفي أن يلتقي رئيسا البلدين ثلاثين مرة خلال ست سنوات، ليكون ذلك مؤشراً على هذا المستوى من التقارب الذي أقلق واشنطن.
وتجسد المبادلات التجارية، حجم التطور في العلاقات؛ حيث قفزت من 69,6 مليار دولار عام 2016 إلى 84,2 مليار دولار في 2017، لتصل إلى 107,1 مليار دولار العام الماضي، ومنذ 2016، أصبحت روسيا، المصدر الأكبر للنفط بالنسبة للصين.
ومن المقرر أن تتولى هواوي، تزويد روسيا بتقنيات الجيل الخامس في مجال الاتصالات، وهناك اتفاقيات تعاون شاملة بين البلدين في مجالات النقل والتجارة والاتصالات والثقافة والسياحة والفضاء والتكنولوجيا، وغيرها.
الجانب العسكري، أيضاً له نصيب في التقارب الحالي، فخلال العام الماضي، شاركت الصين للمرة الأولى في أكبر تدريبات عسكرية روسية. وشاركت للمرة الأولى أيضاً في تدريبات بحرية روسيا في 2017، وزودت روسيا الصين بمنظمة الدفاع الجوي المتطورة «اس 400» وطائرات مقاتلة من طراز «اس يو-35».
ليس هذا فقط ما يشعر واشنطن بالقلق، فقد قررت الدولتان العمل على التقويض التدريجي لهيمنة الدولار على التجارة العالمية؛ حيث وقعتا اتفاقاً للتوسع في استخدام العملتين المحليتين (الروبل واليوان) في إتمام مبادلاتهما.
تطور آخر بالغ الأهمية، أنجزتاه هو الاتفاق على دمج المشروعين الكبيرين؛ طريق الحرير الذي تتبناه الصين، والاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوى التي ترعاه روسيا، والهدف إيجاد شراكة إقليمية واسعة تتجاوز الأفق المحدود للعلاقات الثنائية. ترجمة ذلك سياسياً تشير بوضوح إلى أن طموحات الدولتين تتجاوز بكثير الجانب الاقتصادي أو الثنائي إلى آفاق إقليمية ودولية أرحب من خلال إطار تعاوني دولي تهيمن عليه وتتزعمه الدولتان ولا مكان فيه للولايات المتحدة.
وإذا كانت واشنطن، ومن واقع وثيقتي الأمن القومي والدفاع الوطني للبيت الأبيض ووزارة الدفاع، قد اعتبرت، أن التهديد الأكبر لها في الوقت الراهن ليس الإرهاب، لكن القوى المنافسة أي الصين وروسيا، فإن السؤال المهم هنا هو إلى أي حد تمثل الشراكة المتنامية بين بكين وموسكو تهديداً حقيقياً للمصالح الأمريكية؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"