امتحان وقف الحرب على غزة

03:50 صباحا
قراءة 4 دقائق
في مستهل الحرب الأخيرة على قطاع غزة أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما استعداد إدارته للتوسط بين طرفي الصراع . العنف المتزايد وتوسع نطاق الهجوم الصهيوني بددا أي مفعول لذلك الموقف الرئاسي . ثم جاءت المبادرة المصرية التي أعلنت حماس رفضها لها، فاتخذت منها تل ابيب ذريعة للهجوم البري الذي بدأ الجمعة 18 يوليو/تموز .
يقول القيادي في حماس موسى أبو مرزوق لقناة دريم، إن الحركة كانت على علم بالمبادرة ، لكن لم يجر إحاطتها بمضمون هذه المبادرة، وهو السبب الرئيسي وراء رفض المبادرة، وإن استئناف اتصال القاهرة بالحركة سوف يتيح وضع مخرج سريع للأزمة، مع تركيزه أن مفاتيح الوساطة هي بيد القاهرة تحديداً . فيما يصرح وزير الخارجية المصري سامح شكري أن الهدف من الوساطة هو حقن دماء الفلسطينيين، وأن القاهرة على خلاف عقائدي مع حماس ما يمنعها من الاتصال المباشر بها . أما رئيس الوزراء التركي المرشح لانتخابات الرئاسة رجب طيب أردوغان فقد حمل على مصر وعلى موقفها من الحرب على غزة، مما أدى إلى مزيد من التدهور في علاقات أنقرة بالقاهرة .
بقليل من التدقيق في هذه المواقف، يتبين للمرء أن هذه الحرب الجديدة التي يسمونها في تل أبيب بالجرف الصامد، قد اشتبكت مع الاصطفافات الإقليمية في المنطقة، والخاسر الأكبر هم أبناء غزة، وكذلك إمكانيات الصمود مستقبلاً في وجه التحدي الصهيوني .
كان الظن أن اعتراض حماس على المبادرة المصرية يعود بالدرجة الأولى إلى أن المبادرة أغفلت التطرق إلى واقع الحصار الذي يعيشه القطاع، ولم يتم ربط المبادرة بفتح المعابر ورفع الحصار البحري على بحر غزة، والإفراج عن أسرى ووقف الاعتداءات على الضفة الغربية، وهي مطالب مشروعة ومحقة وتستحق بالفعل تبنياً عربياً لها، حتى أتى القيادي أبو مرزوق كي يختزل أوجه الاعتراض في عدم تواصل القاهرة مع حركة حماس .
ومهما يكن، ففي خلافات من هذا النوع يفترض اللجوء إلى طرف ثالث، إذا لم يتيسر إقامة اتصال مباشر ومؤقت وذي هدف محدد يتعلق بوقف الاعتداء الصهيوني . ومن واجب حماس أن تسعى لانتزاع مكاسب من الطرف الصهيوني لا من طرف عربي هو مصر، وأن تضع في الاعتبار الثمن الفادح الذي يتعرض له أبناء غزة نتيجة الاستعراض الغاشم للقوة الصهيونية . لقد سعت بعض الأطراف للوساطة مع حماس . غير أن الأمانة تقتضي القول إن هذه المساعي تظل ناقصة نقصاً فادحاً إن لم تتوجه إلى تل أبيب . فلئن كان أوباما نفسه أبدى الاستعداد للتوسط، فلماذا يتم إعفاء الجانب الأقوى والمعتدي من ممارسة الضغوط عليه، ولماذا تتجه هذه المساعي نحو طرف واحد؟ هل لأن حماس رفضت المبادرة الأولى؟ حسناً إذا كان الأمر كذلك، فمن الواجب العكوف على دراسة المبادرة مجدداً والسعي إلى تطويرها، والأخذ في الاعتبار التحفظات المعلنة وغير المعلنة عليها، وكذلك الاستغلال الصهيوني الواسع لوقوف شطر كبير من المجتمع الدولي مع تل أبيب، وما نجم عن ذلك من كوارث لحقت بالقطاع وأبنائه، وهذا ما يحدث في النزاعات وجهود التوسط . فحتى لو سلّم المرء وعلى سبيل الافتراض أن تل أبيب تدافع هذه المرة عن نفسها، فهل الدفاع ضد بضعة صواريخ أطلقت، يجيز شن حرب تدميرية شاملة يذهب ضحيتها مئات المدنيين؟ لا شك في أن الأعراف القضائية لا تجيز مثل هذا الدفاع المزعوم، الذي وإن اتخذ الدفاع عنواناً له، فإن طابعه الهجومي الشامل والمبيت لا يخفى على الأعين .
من المؤسف، أن حركة حماس إذ أبدت مع فصائل المقاومة الأخرى صموداً يستحق الثناء والإكبار، ونجحت نسبياً في توسيع نطق المواجهة إلى عقر دار العدو (مطار بن غوريون ومفاعل ديمونا النووي)، فإنها لم تنجح بالقدر ذاته في الجانب السياسي من جولة الصراع هذه . وليس أدل على ذلك من انقطاع الاتصال بينها وبين قيادة السلطة في رام الله، رغم أن هناك حكومة وفاق تجمع شطري الوطن . وإذا كانت هناك خلافات سياسية باقية بين غزة ورام الله، فقد كان من الواجب وما زال السعي الحثيث لإزالتها أو تضييق فجواتها، بما يُمكّن من إدارة معركة سياسية متّسقة، بحيث لا يتم الاستفراد بتنظيم بعينه، ولا بمليون و800 ألف نسمة من أبناء القطاع الذين يتعرضون لاستهداف وحشي قلّ نظيره، وبحيث لا يكون هناك صوتان فلسطينيان متباعدان يتحدث كل منهما إلى العالم ب"لغة" تختلف عن الأخرى .
وفي هذه الأثناء فقد اقتصر تواصل الحركة على بضع دول، إن لم يكن على دولتين فقط في العالم، ما زاد المعركة عُسراً، ومعه ظهر الجانب الصهيوني المعتدي بمظهر المعتدى عليه الذي يوافق على مبادرة لوقف إطلاق النار، فيما الطرف الآخر يرفضها .
كان الاعتقاد السائد وما زال أن الطرف الفلسطيني أقوى سياسياً وأخلاقياً من الطرف الآخر الذي يعتمد لغة القوة والبطش والسطوة المسلحة فحسب، غير أن هذا الاعتقاد قد يصبح عرضة للاهتزاز وحتى للانقلاب، إن لم يُحسن الطرف الضعيف والمستضعف باستمرار خوض المعركة السياسية بنجاعة، وكسب المزيد من الأصدقاء، وتحييد من يمكن تحييدهم من خصوم، وخاصة بعد اشتباك الوضع الفلسطيني بالاستقطابات والاصطفافات الناشئة في المنطقة، وكذلك بموجة الإرهاب المتعددة الأشكال والتمظهرات .

محمود الريماوي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"