نظرية المؤامرة ومشاريع التقسيم

03:44 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

يثير مفهوم نظرية المؤامرة في الكتابات والتحليلات السياسية والجيواستراتيجية المعاصرة، جدلاً كبيراً بين متقبّل وداعم للوظيفة الإجرائية للمفهوم، وبين رافض ومشكِّك بشأن كل نقاش يرتبط به، بدعوى أنه يُبعد التحليل عن الواقعية وعن القراءة العقلانية والمباشرة للحدث السياسي، بصرف النظر عن الفاعلين الذين يؤثرون فيه بشكل مباشر أو غير مباشر. وتعتمد نظرية المؤامرة في مجملها على الترويج لرؤية تاريخية بوصفها تمثل محصّلة لفعل تقوم به مجموعة صغيرة تمارس نشاطها في الخفاء؛ ومن ثم فإن الحديث عن وجود مؤامرة يشير إلى وجود مجموعة صغيرة من الأفراد الأقوياء يقومون بالتنسيق فيما بينهم بهدف التخطيط ومباشرة عمل غير مشروع يمكنه أن يؤثر بشكل سلبي في السير الطبيعي للأحداث، بغرض الحصول أو المحافظة على شكل مطلق من السلطة في المجالات السياسية والاقتصادية أو الدينية. ويرى بعض آخر أن مفهوم نظرية المؤامرة يلعب دوراً إيجابياً في تحفيز وبلورة الأيديولوجيات الثورية التي تسعى إلى قلب الأوضاع لصالحها، اعتماداً على عناصر القوة التي يثيرها المِخيال الجماعي المرتبط بفرضية المؤامرة.
وبالرغم من كل ما تقدم من مؤشرات سلبية تتعلق بهذا المفهوم، فإن الإيمان بنظرية المؤامرة سيزداد مع مرور الزمن؛ نتيجة للتجاوزات التي تقوم بها المؤسسات المحلية والدولية، التي تبسط سلطتها بشكل كامل دون أن تترك للأفراد هامشاً من الحركة التي تسمح لهم بالمساهمة في توجيه الأحداث التي تعنيهم بشكل مباشر.
وبالتالي فإن ما نسعى إلى الوصول إليه من وراء إثارتنا لهذا النقاش المرتبط بنظرية المؤامرة، يتمثل في محاولة تأكيد أنه وبصرف النظر عن صدق أو خطأ نظريات المؤامرة، فإن ما يحدث في الوطن العربي لا يمكن تفسيره انطلاقاً من تسلسل طبيعي لمسار الأحداث؛ لأن تدخل العنصر الأجنبي يستحيل إغفاله نتيجة لضخامته، وبالنظر أيضاً إلى مستوى تأثيره في واقع الدول العربية؛ الأمر الذي يجعل الفرضيات المختلفة ومن بينها فرضية المؤامرة قائمة، وقابلة للتوظيف، في اللحظة نفسها، من أجل فهم طبيعة التحولات الراهنة في المشهد العربي المضطرب. وسواء أسمينا هذا التدخل الأجنبي الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والإقليمي بقيادة «إسرائيل»، بالمؤامرة أو أطلقنا عليه تسمية: برنامج الأهداف الجيوسياسية والجيواستراتيجية لهذه القوى، فإننا نكون في كل الأحوال، في مواجهة تدخل غير مسبوق في تطور الأحداث، وليس أمام تطور داخلي وطبيعي في مسار هذه الأحداث، من سايكس- بيكو وصولاً إلى الغزو الأمريكي للعراق.

لا أحد يمكنه أن ينفي أن هناك أطرافاً أجنبية ساهمت في تقسيم العراق، وفي تحويله إلى دولة طائفية وعرقية، ولا أحد باستطاعته أيضاً، أن ينكر أن سوريا لن يمكنها على المستوى المنظور أن تنخرط مجدداً في معادلة الصراع العربي- «الإسرائيلي»، ولا أن تستعيد وحدتها الترابية بما فيها هضبة الجولان. وليس هناك من يستطيع أن ينفي، في السياق نفسه، تعرّض دول عربية أخرى لمحاولات عديدة تهدف إلى زعزعة أمنها واستقرارها، والشيء نفسه يمكن أن يقال عن الجزائر وتونس وليبيا، وهي كلها كيانات دولية باتت تواجه مخاطر كبيرة ذات صلة وثيقة بمشاريع تهدف إلى تقسيم الدول الوطنية بناءً على أجندات تعتمد خيار التقسيم العرقي والمناطقي، من أجل تقويض أركان جغرافية الدولة الواحدة.

ويمكن القول تأسيساً على ما سبق، إن مشاريع تقسيم المقسّم وتجزيء المجزأ، التي تهدد الدول العربية ليست انعكاساً لذهان أو فصام أو حتى لأمراض عصابية تصيبنا وتجعلنا نؤمن بمؤامرات وهمية تهدد وحدتنا وكياننا، ولكنها تعبير عن واقع أصبحنا نعيش تحدياته المريرة، بعد أن صرّح زعيما الاستخبارات الأمريكية والفرنسية، أن العراق وسوريا بوصفهما دولتين وطنيتين مستقلتين لم يعد لهما وجود على أرض الواقع. كما أن الصراع العربي «الإسرائيلي» أضحى جزءاً من الماضي، وتحوّلت القضية الفلسطينية من قضية تصفية استعمار إلى مجرد ملف إنساني يتم تداوله في أروقة الأمم المتحدة، وهناك خرائط جديدة يتم تداولها جهاراً نهاراً بشأن مستقبل حدود الدول الوطنية في شبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"