تركيا 2018: استبداد ومغامرات

03:02 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد نورالدين

كان عام 2018 حافلاً بالأحداث المهمة في تركيا على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ولم يحد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، منذ أصبح رئيساً للجمهورية عام 2014 عن هدف مركزي، وهو أن يتحول موقع الرئيس من محدود للصلاحيات إلى صاحب صلاحيات أكبر.
وقد عمل أردوغان لهذا الهدف على تصفية كل معارضيه داخل حزب العدالة والتنمية، وفي مقدمهم الإطاحة برئيس الوزراء ورئيس حزب العدالة والتنمية أحمد داود اوغلو، في مايو/ أيار 2016 وتعيين بن علي يلديريم مكانه. وبعد أقل من سنة كانت التعديلات الدستورية التي تلحظ إقامة نظام رئاسي برئيس مطلق الصلاحيات تأخذ طريقها عبر استفتاء في 16 إبريل/ نيسان 2017. وبعد ذلك كان الذهاب إلى انتخابات مبكرة نيابية ورئاسية في 24 يونيو/ حزيران 2018.
وأسفرت الانتخابات عن فوز أردوغان برئاسة الجمهورية بالتحالف مع حزب الحركة القومية، ونال بحدود 52 في المئة، فيما تفرق مرشحو المعارضة ونال أبرزهم محرم إينجه من حزب الشعب الجمهوري العلماني 30 في المئة.
أما في الانتخابات النيابية فقد حل حزب العدالة والتنمية في المرتبة الأولى، لكنه لم يحصل على الأغلبية المطلقة أي 301 نائب من أصل 600 نائب. وبقي مضطراً لنيل تأييد نواب الحركة القومية لتمرير حتى المشاريع العادية في البرلمان.
لكن هذا الأمر لا يشكل أي عقبة أمام واقع أن تركيا أصبحت في ظل نظام رئاسي يمتلك رئيسه صلاحيات واسعة جداً. هذا يعني بالدرجة الأولى تحكم الرئيس في قرار البلاد، ومفاصل النظام، ومؤسساته. وفي المقابل تقليص صلاحيات البرلمان إلى درجة كبيرة وتهميش دوره الوازن في اتخاذ القرار ومراقبة السلطة التنفيذية. وتحول أردوغان إلى حاكم مطلق الصلاحية تتجاوز صلاحياته حتى تلك التي كان السلطان العثماني يحوزها. ومع إلغاء منصب رئيس الحكومة دخل بن علي يلديريم التاريخ بصفته آخر رئيس وزراء، بل آخر صدر أعظم منذ العام 1320 في العهدين العثماني، والجمهوري.
وإذا كان النظام الرئاسي يطلق يد أردوغان فإن تراجع دور البرلمان يغلق الباب أمام المعارضات الإثنية والمذهبية (الكردية والعلوية)، والسياسية، من أن تمارس دوراً ولو صغيراً في المشاركة أو التأثير في القرار السياسي. وإغلاق هذا الباب قد يدفع المعارضات إلى البحث عن بدائل وأطر أخرى غير سلمية للتعبير عن هواجسها ومطالبها، ما يهدد الاستقرار الداخلي، والسلم الأهلي.
ولا يقف تغيير النظام السياسي وحده أمام عدم الاستقرار. فقد كان العام 2018 استمراراً للتضييق على حرية التعبير، وسجن الصحفيين، وإغلاق الصحف. كما أن ملاحقة جماعة فتح الله غولين لم تتوقف، واعتقل الآلاف من جماعته، كما لو أن اتباع هذه الجماعة معين لا ينضب.
وعلى الصعيد الخارجي، بدأ العام 2018 باجتياح الجيش التركي لمنطقة عفرين الكردية، وكانت تحت ذريعة تنظيف المنطقة من «الإرهاب» الكردي التابع لحزب العمال الكردستاني، والتهديد بمواصلة العملية لاحقاً للسيطرة على منطقة شمال شرق الفرات.
وعرف العام 2018 هبوطاً وصعوداً في العلاقات التركية -الأمريكية، حيث وصلت إلى أعلى توترها في شهر أغسطس/ آب نتيجة اعتقال أنقرة للقس الأمريكي أندريه برانسون، وتعرض الليرة التركية لضغوط من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وانخفضت إلى حد لامس سعر صرف الدولار 7 ليرات تركية قبل أن يطلق بعد ذلك بشهرين سراح برانسون، وتنتهي الأزمة.
وشهدت هذه العلاقات انفراجاً واسعاً مع إعلان ترامب في 19 ديسمبر/ كانون الأول أنه سيسحب القوات الأمريكية من سوريا خلال نحو مئة يوم. ورحّبت أنقرة بالقرار، خصوصاً أنها تعتبر وجود الأمريكيين عقبة أمام اجتياحها لمناطق تواجد قوات الحماية الكردية في شمال شرق الفرات.
وفي صلة بالشأن السوري، كان اتفاق إدلب بين أنقرة وموسكو أحد أبرز ما يتصل بتركيا، علماً بأن هذا الاتفاق الذي جمد العمليات العسكرية يشهد تعثرات في تطبيقه حتى الآن.
كذلك برز تحرك تركي في منطقة شمال إفريقيا مع جولة لأردوغان في السودان، وتشاد، وتونس، في ما يظن أنه سعي تركي للتشويش على مصر والسعودية، وإقامة أحلاف مؤيدة لتركيا.
وبين تشديد قبضة الشخص الواحد على السلطة في الداخل والمغامرات الخارجية تتواصل التحديات أمام تركيا في العام 2019 مع احتمالات بتحولات كبيرة تغير المشهد من أكثر من زاوية، وعلى أكثر من صعيد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"