تحجب عنك الشاشة الوجع، ترسل إليك إشارات المآسي لتذوق طعم المرارة برأس لسانك فقط، تضعك في قلب الحدث وخارجه في آن، تحمل إليك الخبر، تضغط على مشاعرك، لكنك تستطيع الإفلات منها والبحث عن البديل فوراً.
ما من حدث في العالم إلا وتجده ماثلاً أمامك في ثوان، لا تشاهده فقط؛ بل تصبح شاهداً عليه، لم تعد مجرد إنسان متأثر بما يراه على الشاشة؛ بل صرت متفاعلاً ومعلقاً وشريكاً في نقل الخبر ليراه كل الناس.
كان الظهور على الشاشة حدثاً بالنسبة للأشخاص العاديين، فالبرامج لا تستضيف إلا النخبة والشخصيات العامة والمسؤولين والمشاهير، ونشرات الأخبار تكتفي بالحدث ولا مكان فيها «للشارع» كما يسمونه. اليوم اتسعت المساحات لكل الناس بلا أي استثناء؛ بل قل إن الناس أصبحوا وقود البرامج ومحركيها، وليس بالأمر الغريب أن تتلقى اتصالاً من محطة ما ومعدي برامج ما ليخبروك بأنك ضيف عزيز ولك حرية الكلام.
قبل أيام أحيت غالبية القنوات اللبنانية ذكرى مرور عام على انفجار الرابع من أغسطس/آب في مرفأ بيروت، ساحة الجريمة كانت هي الاستوديو، والناس من أهالي الضحايا والمصابون كانوا هم المحرك الأساسي لكل برنامج، وحكاياتهم التي فاقت الخيال والتصوّر شكلت مادة دسمة لأمسية مجبولة بالحزن والقهر والحسرة.
لم تعد هناك مشكلة في إحداث تغيير في الشكل الروتيني التقليدي للإعلام، ولا مستهجناً كسر القواعد من أجل إحداث صدمة إيجابية في المجتمع. عشية ذكرى الانفجار فاجأت الناس محطة «إم تي في» بإفساح المجال أمام ثلاثة من أهالي الضحايا لتقديم مقدمة النشرة الإخبارية المسائية، وباللغات الثلاث العربية والإنجليزية والفرنسية، عبروا عن الوجع وتحدثوا باسم كل الضحايا والمصابين والمتضررين، وفي الخلفية صور الضحايا الذين تجاوزوا المئتين.
التجديد في المشهد الإعلامي ضروري، الابتكار في مواكبة الحدث ونقله بما يليق به وبأي مناسبة مهمة ضرورية أيضاً، خصوصاً أن الشاشة ووسائل الإعلام التي يقولون عنها «تقليدية» لم تعد الوحيدة المعتمدة لبث الأفكار والأحداث والأخبار. «السوشيال ميديا» مكّنت الجميع بلا أي استثناء من تصوير أي شيء وبثه بشكل مباشر ويتناقله الناس سريعاً ليصل إلى أكبر عدد من «المشاهدين»، ومكّنتهم من قول كلمتهم بالطريقة التي تحلو لهم وكشف حقائق وطرح قضايا. لذا لم يعد يجدي التستر أو التجاهل أو تمييع القضايا، ولا بد من مواكبة أي حدث دون التخلي عن الابتكار والتجديد في الأسلوب، ومنح كل ظرف ومناسبة أو ذكرى قيمتها.