إعداد: هشام مدخنة
تشتهر بكنوزها المعمارية المذهلة، ومبانيها القوطية الساحرة، الممزوجة بإبداعات العصر والتحف الفنية الخالدة. هي برشلونة، حاضرة إسبانيا التي ازدهر فيها البناء أواخر العصور الوسطى، عندما كانت مقراً للإمبراطورية الكتالونية. وفي أواخر القرن التاسع عشر، تخطّت المدينة حدود الماضي وتحولت من خلال ثورة معمارية فريدة قادها مبدعون محليون. وفي أواخر الثمانينات، بدأت الحقبة الثالثة البارزة للتصميم والفنون، والمستمرة حتى يومنا هذا.
وسط هذا التاريخ العريق، تبرز هدية برشلونة المعمارية للعالم، أنطوني جاودي ومعاصريه من عمالقة الهندسة المعمارية آنذاك، الذين أسسوا لإبداع فني لامع وزمن «الحداثة الكتالونية»، حيث ملأت تحف هؤلاء المبدعين الفريدة المدينة والعالم بعشرات الروائع والأمثلة الشاهدة على حقبة فنية قد لا تتكرر.
إن لم تكن متأكداً بعد من أين تبدأ رحلتك المعمارية في برشلونة، دعنا نستكشف معاً أجمل ما فيها.
كاتدرائية «ساجرادا فاميليا»
إذا كان وقتك ضيقاً ولا يسمح إلا بجولة واحدة فقط لمشاهدة معلم من معالم برشلونة، فينبغي أن تكون كاتدرائية «ساجرادا فاميليا» المدهشة. إنها من أضخم كنائس أوروبا المدرجة في قائمة اليونيسكو، وأحد تصاميم الرائع أنطوني جاودي. ولمجرد الوقوف أمام واجهة «ساجرادا فاميليا» تنتابك رهبة لا مثيل لها من عظم إطلالتها الشاهقة التي تحاكي كاتدرائيات العصور الوسطى. ورغم أنها لا تزال قيد الإنشاء، بعد قرن من وفاة عرّابها المعماري، لكن التفاؤل موجود باكتمال إنجاز هذا الصرح المدهش خلال الأعوام القادمة، وهي لا تزال تجذب أكثر من 4.5 مليون زائر سنوياً، وتُعد النصب التذكاري الأكثر زيارة في إسبانيا.
برج جلوريس «أغبار»
هو ناطحة سحاب ضخمة ومزينة بألواح خاصة تتألق في جميع ألوان قوس قزح. يُعد برج «جلوريوس» المضيء، أو «أغبار» كما يطلق عليه في برشلونة، من بين الإضافات الأكثر جرأة وتشويقاً لأفق المدينة منذ ظهور الأبراج الأولى لكاتدرائية ساجرادا فاميليا. وتم افتتاح المبنى المكون من 38 طابقاً في عام 2005، وهو متلألئ ليلاً بدرجات اللون الأزرق الداكن والأحمر، مستوحياً شكله من الرموز الرئيسية للثقافة الكاتالونية القديمة والمكونات الحديثة، مع تنظيم تلقائي لدرجة الحرارة واستهلاك الطاقة.
قاعة الحفلات «بالاو دي لا ميوزيكا كاتالانا»
هي سيمفونية من البلاط والطوب والحجر المنحوت والزجاج الملون، إنها «بالاو دي لا ميوزيكا كاتالانا»، أو قاعة الحفلات الموسيقية الساحرة والمدرجة في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي.
تُعتبر هذه التحفة المميزة بمثابة نقطة مضيئة في تاريخ العمارة العصرية في برشلونة. وقد تم بناؤها بين عامي 1905 و1908 بتصميم من المهندس المعماري البارز لويس دومينيك مونتانير، بمساعدة بعض أفضل الحرفيين الكاتالونيين في ذلك الوقت، لتحاكي بتصميمها معبداً كاتالونياً من عصر النهضة.
وتتميز صالة العرض بأعمدتها وأقواسها المزخرفة، وبألوانها الزاهية، مع سقف زجاجي ملون بالأزرق والذهبي.
كاتدرائية «سانتا ماريا ديل مار»
في الطرف الجنوبي الغربي من شارع «باسيو ديل بورن» الشهير في برشلونة تقف أرقى كنيسة قوطية كاتالونية وهي «سانتا ماريا ديل مار» أو سيدة البحر.
شُيدت بين عامي 1329 و1383، وهي واحدة من المعالم الأثرية المهمة في برشلونة التي يمكنك زيارتها والاستمتاع بجمالها وأسرارها الثقافية، كما أنها من الأمثلة البارزة على الطراز المعماري القوطي الذي يجمع بين نقاء الأسلوب ووحدة المكونات والأسلوب البسيط، بكيفية يندر أن توجد في المباني الكبيرة من القرون الوسطى. وتضم واجهة الكنيسة لوحة منقوشة باللاتينية والقوطية.
مجمع «سانت باو»
هو مدينة داخل المدينة، إذ يعتبر «سانت باو» أكبر مجمع للفن الحديث في العالم، ومن إبداعات لويس دومينيك مونتانير، أحد مهندسي عصر الحداثة الكاتالونية. تم بناء المجمع بين عامي 1902 و1930، ووضعته اليونيسكو على قائمتها للتراث العالمي عام 1997 بسبب تفرده الفني وجماله الأخّاذ.
ولفترة طويلة كان مجمع «سانت باو» من أهم المستشفيات في برشلونة، التي تحمل اسم «دي لا سانتا كرو إي سانت باو»، ولكن تحول في عام 2009 إلى مزار ثقافي وتاريخي.
يضم الموقع مكاتب ونصباً تذكارية خالدة عبر 27 مبنىً أثرياً و16 جناحاً ضخماً في مساحة خضراء ومترابطة، وسلسلة من الأنفاق المؤدية إلى جناح سانت سلفادور.
مبنى «كازا باتلو»
هو أحد أغرب المباني السكنية في أوروبا، ومن روائع المعماري المبتكر «جاودي» الذي أنشأه عام 1877 وأعاد تصميمه عام 1904 على ذوقه الخاص وبطلب من أحد أغنياء إسبانيا الأرستقراطيين آنذاك جوزيف باتلو.
تبدو للوهلة الأولى شرفات هذا المنزل غير المنتظمة وطوابقه الغريبة وكأنها مصنوعة من العظام والجماجم، وتشبه الأقنعة أيضاً. وتضفي الجدران الخارجية المزينة بالفسيفساء الملونة والمصنوعة من بلاط السيراميك رونقها الخاص على المشهد المثير.
ومن الداخل، يبرز سقف مبنى كازا باتلو المقوس بشكله المختلف الذي يشبه إلى حدٍ كبير هيكل التنين. تشعر أن كل شيء يدور هنا، فالسقف ملتوٍ في دوامة حول الثريا الشبيهة بالشمس، والأبواب والنوافذ هي موجات حالمة من الخشب والزجاج الملون.
سوق «سانتا كاترينا»
هل ترغب بجولة تسوق في برشلونة؟ تعال إذن إلى سوق «سانتا كاترينا» ذيو المنظر الفريد، والذي يعتبر من أشهر الأسواق الشعبية في المدينة. برز التألق في تصميمه المستقبلي من قبل المهندسين المعماريين المبدعين إنريك ميراليس وبنيديتا تاليابوي، ليشغلا بذلك حيزاً من تصميم أسلافهما من القرن التاسع عشر. تم تجديد السوق بالكامل في العام 2005، ويتميز بسقفه المتموج المتلألئ، المعلق فوق أكشاك المنتجات الغذائية والمطاعم والمقاهي المنتشرة.
يستحضر السقف الخزفي بألوانه الدافئة والمتعددة زمن «الحداثة الكاتالونية» على شكل زخرفات فسيفسائية مجمعة من قطع السيراميك. في الواقع، يبدو أن تصميم السقف المتعرج يشبه سلسلة من موجات البحر، تغوص تارة في عصر كان فيه مهندسو برشلونة مقيدون بخيالاتهم الحية، وتطفو تارة أخرى في زمن حاضر يحمل في طياته تشابهاً غريباً مع تصميمات أنطونيو جودي الخالدة.
متحف «كازا أماتلير» التاريخي
يتميز متحف كازا أماتلير بطابعه المعماري الحديث، ويُعد واحداً من أكثر الأعمال الدالة على «الحداثة الكاتالونية». تم بناؤه عام 1898 وهو من تصميم المهندس المعماري بويج، ويقع بجوار مبنى «كازا باتلو»، تحفة أنطوني جاودي الأخرى. يجمع المتحف بين حواف النوافذ الزجاجية القوطية الملونة والأعمدة الرومانية المتعرجة وفن العمارة الحضرية الهولندية، مع واجهة أمامية مزخرفة بمنحوتات الحيوانات. ويضم بعضاً من الأعمال الفنية الخاصة بنحاتي وفناني العصر الحديث، فضلاً عن قطع الأثاث والديكورات التي تجعله محطّ أنظار الكثير من السياح والزوار، وتدعوهم للسفر في رحلة عبر الزمن.
يبدو البهو ذو الأعمدة الرخامية والسلم المضاء بانعكاسات الزجاج الملون وكأنهما فصل داخلي من الحكاية الرومانسية الكاتالونية. لا تفوّت على نفسك هذه الفرصة، واستمتع بزيارة كازا أماتلير عند القدوم إلى برشلونة الجميلة.
