قرار ترامب «الباطل» لا يغير عروبة الجولان

03:43 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد شوقي عبد العال

أثار قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في الخامس والعشرين من مارس (آذار) المنقضي بشأن الاعتراف بسيادة «إسرائيل» على هضبة الجولان السورية موجة واسعة للغاية من الرفض، سواء من الدول المختلفة بما فيها الدول الكبرى دون استثناء، أو من المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلًا عن جامعة الدول العربية كما تأكد أيضا في قمة رؤساء دولها التي عقدت في الحادي والثلاثين من مارس (آذار) في تونس.
الواقع أن هذا القرار إنما يعد استكمالا لمنظومة متكاملة من القرارات التي اتخذها الرئيس ترامب منذ مجيئه إلى رئاسة الولايات المتحدة تصب جميعها في خانة توجه واضح في السياسة الخارجية الأمريكية، يقوم على الضرب بقواعد القانون الدولي المستقرة عرض الحائط دون مواربة. وما قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل» ونقل السفارة الأمريكية إليها، ومن قبل قراره بالانسحاب من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو)، ومن اتفاقية باريس للمناخ، ومن اتفاقية «النافتا» وغيرها، إلا علامات بارزة في هذا السبيل.
ولعله من نافلة القول التأكيد على أن ما فعله ترامب بشأن الجولان هو مما يخالف قواعد قانون الاحتلال بشكل كامل، ومن ثم فهو باطل بطلاناً مطلقاً. وهي القواعد التي قررتها كل من اتفاقية لاهاي الخاصة بقوانين وأعراف الحرب للعام 1907، واتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949، والبروتوكول الثاني المكمل لها للعام 1977.
وتفصيل ذلك أن الاحتلال الحربي يعد امتدادا لحالة الحرب، أو إن شئت فقل هو طور من أطوارها، يوجد عندما تتمكن قوات دولة من اقتحام إقليم دولة أخرى والانتصار على قواتها ثم الهيمنة على هذا الإقليم أو جزء منه وإقامة سلطة عسكرية تحل محل الحكومة الشرعية فيه. وقد عرّفت المادة 42 من اللائحة الملحقة باتفاقية لاهاي لعام 1907 الإقليم المحتل بأنه الإقليم الذي يصبح من الناحية الفعلية خاضعاً لسلطة الجيش المعادي.
ومن المجمع عليه في الفقه، وفي الممارسة الدولية كذلك، أن القانون الدولي الحديث، وعلى وجه التحديد منذ صدور ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 والذي قررت الفقرة الرابعة من المادة الثانية منه أنه «يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة»، لا يعترف -أي القانون الدولي- للاحتلال الحربي إلا بحالة فعلية مؤقتة لا أثر لها على حقوق السيادة والتي يظل محتفظا بها لدولة السيادة صاحبة الإقليم المحتل.
وهو وإن كان يخول المحتل نتيجة لهذا المركز الفعلي، وليس القانوني، والمؤقت للاحتلال، بعض الاختصاصات اللازمة للمحافظة على أمن وسلامة قواته والأفراد التابعين له، واللازمة أيضا لضمان استمرار النظام العام في الإقليم المحتل، كما كان عليه الوضع قبل الاحتلال قدر الإمكان، فإنه في المقابل لا يخول دولة الاحتلال، تحت أي ظرف من الظروف أو ادعاء من الادعاءات، نقل حقوق السيادة عليها، ولا يجيز لها إحلال حكومتها أو اختصاصاتها التشريعية والقضائية محل حكومة دولة السيادة.
وبعبارة أخرى فإنه إذا كان لدولة الاحتلال الحق في أن تشرف على إدارة الإقليم المحتل في ضوء المقابلة بين ضرورات أمنها وأمن قواتها من جانب، والالتزامات المفروضة عليها تجاه الإقليم وسكانه من جانب آخر، فليس لها أن تدعي حق ممارسة حقوق السيادة الشرعية للشعب صاحب السيادة على إقليمه بأسره - المحتل منه وغير المحتل - والحكومة الممثلة له. فسلطة الاحتلال - من ثم - وإن كان لها الفعل، فليس لها الحق. وعلى هذا فإن الاحتلال ليس له أن يحدث تأثيراً في جنسية سكان الأرض المحتلة ولا في ولائهم لدولتهم صاحبة الإقليم المحتل، وذلك على الرغم من أن للمحتل أن يطالبهم بواجب طاعة الأوامر التي يصدرها وفقا لصلاحياته التي يحددها له قانون الاحتلال الحربي.
كذلك فإنه يحظر على المحتل أن يمارس الوظائف المتعلقة بالسيادة والتي هي من اختصاص الحكومة الشرعية وحدها وعلى رأسها وظائف التشريع والقضاء، فإذا اضطرت سلطات الاحتلال إلى إجراء بعض التغييرات في هذه الأوضاع والقوانين والأنظمة، فإن ذلك ينبغي أن يكون في أضيق الحدود.
وهو ما قررته المادة 43 من لائحة لاهاي لعام 1907، وكذلك المادة 64 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والتي حتمت على المحتل الإبقاء على القوانين الجنائية الخاصة بالأراضي المحتلة نافذة ما لم يكن فيها ما يهدد أمن دولة الاحتلال أو قواته.
والحق أننا لسنا في حاجة في هذا المقام إلى الحديث باستفاضة عن كون الجولان السورية أرضاً محتلة ينطبق عليها ما تقدمت الإشارة إليه من قواعد قانون الاحتلال الحربي، ويكفي في هذا الصدد التذكير بما أكد عليه قرارا مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967، ورقم 497 لعام 1981. أما القرار 242 والصادر في أعقاب العدوان «الإسرائيلي» على الدول العربية في الخامس من يونيو(حزيران) 1967، والذي جاء بإجماع كل أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر بمن فيهم الولايات المتحدة الأمريكية، فقد نص على «أن مجلس الأمن.... وإذ يؤكد على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب.. يؤكد.. انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة في النزاع الأخير...». وأما القرار الآخر 497 لعام 1981، الصادر بمناسبة إعلان «إسرائيل» ضم الجولان وفرض السيادة «الإسرائيلية» عليها، والذي جاء أيضا بالإجماع، فقد كان أكثر صراحة في هذا الصدد حيث جرى نصه على أن المجلس «... يعتبر قرار إسرائيل بفرض قوانينها وسلطاتها وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة لاغية وباطلة ولا قيمة لها من الناحية القانونية الدولية...».
وهكذا فإنه يبين من كل ما تقدم أن قرار ترامب بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان مخالف لكل قواعد القانون الدولي ذات الصلة، ومن ثم فهو باطل بطلانا مطلقا، ولا يرتب أية نتائج على الإطلاق في معرض التأثير على الوضع القانوني للجولان كأراض محتلة. وهي المعاني التي أشار إليها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش في معرض تعليقه على القرار، وأشار إليها بعبارة أو بأخرى كافة المسؤولين الدوليين المعبرين عن مواقف دولهم أو منظماتهم.
وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت الرئيس الأمريكي إلى اتخاذ هذا القرار، ومن قبله قرار الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل» وهي أرض محتلة كالجولان، وما إذا كان يهدف من وراء ذلك إلى الحصول على دعم اللوبي اليهودي له في الانتخابات الرئاسية القادمة، أو دعم بنيامين نتنياهو في الانتخابات «الإسرائيلية»، أو غيرها، فإن هذا القرار لن يؤثر في الوضع القانوني للجولان، وإن كان سيزيد من حالة عدم الاستقرار التي تمر بها المنطقة العربية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"