محمود ومحمد وضحايا الشاشة

عين على الفضائيات
03:22 صباحا
قراءة دقيقتين
مارلين سلوم


محمود البنّا ضحية الشهامة، هكذا صار اسم هذا الشاب المصري، الذي قُتِل بسبب حمايته فتاة في المنطقة التي يسكنها. الحادثة التي هزتنا جميعاً، أشعلت قلوب الناس ومواقع التواصل الاجتماعي، وانطلقت حملات للمطالبة بالقصاص من الشاب القاتل «راجح».
في إحدى مسرحيات عاصي ومنصور الرحباني، كان «راجح» هو «البعبع» الذي يخيفون به الناس، وترتكب باسمه السرقات في الحي، وكان الجميع يخشاه ولم يره أحد. وصار راجح في الحكايات رمز المجهول الذي يرتكب الجرائم والسرقات، ورمزاً للكذب وتلفيق القصص. أما «راجح» المصري ابن المنوفية، الذي صار اسمه على كل لسان، فهو ليس من صنع الخيال؛ بل ابن الواقع المرّ، الذي يرمز للبلطجة وقلة الأخلاق وسوء التربية والفلتان الذي يحتاج إلى رادع قوي وقبضة أمنية من حديد تحمي الشباب.
محمد راجح تعمّد قتل محمود البنّا، كلاهما في ريعان الشباب، الأول يتعامل مع الناس بفوقية الآمر الذي لا يجب أن يرفض له طلب، المثير للمشاكل بلا رادع، والثاني عكسه تماماً، عُرف بدماثة أخلاقه وأدبه. كأنهما الوجهان النقيضان لحال الشباب اليوم وللظواهر السلبية التي تنتشر.
كثيرة ردود الأفعال التي توالت على مواقع التواصل، ومنها من ألقى باللوم على الممثل محمد رمضان وأفلام السبكي، و«إبراهيم الأبيض» و«أولاد رزق» وغيرها من الأفلام التي تروج للعنف وتدفع الشباب إلى حمل السلاح الأبيض وعدم التردد في استخدامه في أي وقت.
نعم الشاشة ليست بريئة، وهي مسؤولة في جانب ما عما يحصل في الشوارع، لكنها ليست وحدها التي تعلّم الأبناء ولا هي التي تربّيهم، فمحمود ومحمد كلاهما شاهد هذه النوعية من الأفلام، أحدهما انبهر بها فسار على خطى أبطالها، والآخر عرف أنها مجرد «سيما»، والبطل الحقيقي لا يقتل ولا يحمل مطواة يقتل بها الأبرياء.
هل فعلاً التلفزيون والسينما هما السبب؟ وهل محمد رمضان أصبح مرض المجتمع؟ وهل الشباب هم «ضحايا» الفن؟ لا أعتقد أن أفلام العنف بريئة مما يحصل، ولا محمد رمضان بريء من سلوكات خاطئة تنتشر بين الصغار والمراهقين، وهو مازال يتباهى بحبه للمظاهر، ويعلم جيداً مدى تأثيره بتلك الفئة، ولا شك أننا بحاجة ملحّة لكتابة درامية واعية ومسؤولة لا تجعل من البلطجي بطلاً يفعل ما يفعله بحجة أن الظروف ظلمته وأجبرته على القتل، وتكون النهاية مُرضية سعيدة، أو أنها تزيد من تعلّق الجمهور بالبطل بعد مقتله.
مسلسل «ولد الغلابة» الذي شاهدناه رمضان الماضي جعل من أحمد السقا بطلاً مجرماً لا يتوانى عن قتل كل من يعترض طريقه، ويحب مجرمة تشاركه العنف وتذرف الدموع! طبعاً نعرف مقولة إن الدراما تنقل ما يحصل في الواقع؛ لكنها تختار نماذج سيئة وتجملها في عيون المشاهدين، وينتشر القتل على كل الشاشات والدماء تسيل بلا أي إحساس بأن من يشاهد، يفتقد للتربية الصحيحة في بيته؛ لذا من السهل أن يسلك طريق «الأبطال».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"