سد مروي .. صمام الأمان لكهرباء السودان

23:14 مساء
قراءة 5 دقائق
الخرطوم حيدر فؤاد:

شجعني ما سمعته عن سد مروي لزيارة هذا الصرح حتى أتبين حقيقته، وألمّ بما يجري في الكواليس.

حزمت أمتعتي واحتضنت معدات التصوير، واتجهت شمالاً حيث يقبع السد في الولاية الشمالية.
تركنا العاصمة وراء ظهورنا، وولجنا إلى الطريق الصحراوي الذي يربط الخرطوم بمدينة وادي حلفا، فاستقبلتنا منطقة «أبوطلوع»، التي كانت تشكل عقبة كؤود بالنسبة للسيارات التجارية، فقد كانت تصطف وتتجمع حتى تعبر سيارة وراء أخرى، نسبة لكثافة الكثبان الرملية، التي تحول دون انطلاق السيارات إلى أن تشق طريق الأسفلت الجديد، الذي يسَّر المرور في دقائق معدودة.
ونتخطى منطقة «أبوطلوع»، لنصل إلى منطقة «التمتام»، نسبة إلى شخص كان يعاني من صعوبة في الحديث لانقطاع صوته أثناء الكلام، وهو أول من أنشأ استراحة بسيطة المحتوى من فروع الأشجار يرتاح عندها المسافرون، ونتجاوز منطقة «التمتام» لنصل إلى استراحة «أم الحسن» وهي امرأة ريفية، حفرت بئراً لتكون سقيا للعابرين، وسميت المنطقة باسمها، تخليداً لذكراها وتقديراً لعملها النبيل.
وواصلنا طريقنا لنتوقف في منطقة «الملتقى»، تجديداً للنشاط وتناول الشاي والقهوة وأداء الصلاة، حيث المكان مهيأ لاستقبال الضيوف، ومنه يتفرع الطريق ليتجه إلى منطقة مروي ومدينة الدبة والقولد ودنقلا، ثم يعبر كبري «السليم» إلى مدينة حلفا.
ونحن نقترب من مدينة مروي التي تحتضن السد الكبير، ودعنا مدينة «قنتي» ثم مدينة «كورتي» ودلفنا إلى مدينة «نوري»، التي تضم الكثير من الآثار التاريخية ومن ضمنها أهرام نوري الشهيرة، وهناك التقينا بالزميل سمير نوري، وهو من المهتمين بالتراث، وشديد الحب للتوثيق التاريخي للمنطقة، وكعادة أهل السودان أصر على استضافتنا على مائدة الغداء بمنزله العامر،ثم صحبنا في جولة في المدينة - شمخت من خلالها أشجار النخيل والمانجو والموالح الأخرى، ثم مررنا على حديقة النخيل التي شيدها الإنجليز بشكل هندسي رائع، إبان حكم السودان، ومن ثم كانت جولتنا في مشروع «نوري» الزراعي، الذي استبدلت مكائنه القديمة بأخرى جديدة ذات كفاءة عالية، مكنتهم من زيادة الرقعة المزروعة.
غادرنا مدينة «نوري» على أمل أن نعود لنشهد حصاد البلح أو التمر، الذي تتعدد مسمياته، واتجهنا إلى مدينة السد.
ما حقيقة سد مروي؟ تساؤل يسأله العامة خلال القطوعات الأخيرة التي طالت استقرار التيار الكهربائي، والتساؤل يحمل تشكيكاً برغم علم الإجابة، والحديث عن سد مروي وما يدور حوله من أحاديث، شككت حتى في بنائه الهندسي، وفي قدرة توربيناته العشرة على الوفاء بإنتاجها الكهربائي.
والحديث عن سد مروي في هذا الجانب يعود إلى البيانات الرسمية التي تبين إنتاجه الكهربائي السنوي، حيث نجد أن إنتاجه الكلي في العامين 2009- 2010، قبل اكتمال دخول توربيناته العشرة، وصل إلى178581 كيلوواط، وفي العام 2011م كان 427502، وفي العام 2012م هبط إلى 411021، وفي العام 2013م تصاعد إلى 646192، وفي العام 2014م صار 727746، مع العلم أن غرفة التحكم في جسم سد مروي تعمل وفق منظومة الشبكة القومية، فإنتاج السد ينقص أو يزيد، وفقاً لحاجة الشبكة القومية.
ومثل سد مروي ومخزون البحيرة منذ اكتماله حتى اليوم، صمام الأمان الحقيقي للكهرباء، فهو يسد حاجة أكثر من 50٪ من الشبكة القومية، مع العلم أن هذه الشبكة تمددت واتسعت لتشمل ولايات جديدة، لم تكن تتمتع بالإمداد الكهربائي، إلا في حدود ضيقة، في مدن مثل الولايات الشمالية، ونهر النيل، والبحر الأحمر، وشمال كردفان، والنيل الأبيض، وأجزاء من ولايتي جنوب وغرب كردفان، وقد كان لسد مروي تأثير كبير على مصادر الطاقة الكهربائية حيث مثل علامة فارقة، فإجمالي إنتاج الكهرباء في السودان لم يتجاوز من مصادره المختلفة من التوليد المائي والحراري (750) ميغاواط، في حيث أن سد مروي بتوربيناته العشرة وحده ينتج 1250 ميغاواط وقد مثل اتساع الشبكة وزيادة الإنتاج الكهربائي في مدة وجيزة نقلة كبيرة، فارتفعت نسبة مساهمة الكهرباء في قطاعات الاستهلاك عام 2010م، بنسبة وصلت إلى 79٪ عام 2011م، بينما كان التوليد الحراري حتى العام 2007م، يشكل 70٫7٪، انخفضت في العام 2010م إلى 17٪، فالتوليد المائي الذي يشكل عصب إنتاج محطة كهرباء سد مروي، تحمل عبء الشبكة القومية بنسبة 76٫5٪ عام 2011م.
التغيير في العلاقة ما بين التوليد المائي والحراري، كان بسبب دخول وحدات سد مروي بالشبكة، وتمثل في ارتفاع شديد في نسبة مشاركة التوليد المائي مع انخفاض نسبة الحراري، فيما بدأ هذا التغيير بالتراجع التدريجي مرة أخرى في الفترة من 2013، حتى الآن بسبب زيادة الطلب ودخول جزئي للأحمال المختنقة، ما أدى إلى الحاجة لاستهلاك كميات توليد حراري أكبر، بعد استيعاب التوليد المائي المتاح من مروي، وتعلية الروصيرص. وترتب على زيادة معدلات نمو الطلب على الكهرباء عدة عوامل، منها النمو في زيادة عدد المشتركين في شتى القطاعات السكنية والصناعية والحكومية والزراعية، ونلاحظ القفزات السريعة في عدد المستفيدين من الكهرباء، خاصة بعد دخول وحدات سد مروي في الاستهلاك، أصبحت متوالية متسارعة في الزيادة على طلب الكهرباء في السنوات الأخيرة، فامتدت من بورتسودان شرقاً، إلى كردفان غرباً، ومن وادي حلفا شمالاً، حتى تعدت حدود السودان جنوباً.

مواصفات

على بعد 350 كم من العاصمة الخرطوم وعلى نهر النيل أقيم سد مروي لتوليد الطاقة الكهربائية بقوة 1٫250 ميغاواط، لري 300 ألف هكتار من المشاريع الزراعية في الولاية الشمالية.

ويتكون السد من 14 بوابة، ويبلغ طوله 69 متراً وارتفاعه 67 متراً وعرضه 82 متراً.
وبلغت التكلفة الكلية للسد 2٫945 مليار دولار ، ودعمه صندوق أبوظبي للتنمية ب 200 مليون دولار، وشارك عدد من الدول العربية في تمويله، بجانب الصين.
وفي زيارة للسد والمشاريع المصاحبة، ينبهر الزائر في البداية بالإنسان السوداني الذي رمى السياسة ورجالها وراء ظهره، ووضع السودان نصب عينيه، خاصة فئة الشباب الذين واكبوا الإنجاز من البداية، ولم تقهرهم الظروف الصعبة،فأكملوا مشروعاً رائعاً ومشاريع مصاحبة حولت حياة كثير من السكان من الضنك والبحث عن الماء، إلى مشروع «حصاد المياه»، الذي جعلها في متناول جميع الرحل والقاطنين.
وفي هذه الزيارة أدهشني أن المساكن في القرى والحلال، تنعم بمكيفات الهواء وأنوار النيون، بدلاً من الشبابيك والمراوح.
وعدت إلى العاصمة الخرطوم، فإذا بي أسمع أن سد مروي «ماسورة»، وتعني أنه فشل في تغطية احتياجات العاصمة من الكهرباء، وذلك كانت للقطوعات اليومية.
وشعرت بأن خيرات السد ذهبت إلى الكثير من المظاليم، والذين تخطتهم الخدمات وصاروا في عداد المهمشين.
وأعتقد أن سد مروي مشروع نسبة نجاحه عالية، وإن شابه بعض القصور.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"