الإمارات مهد الحلم العربي وصوت الوحدة الذي لا يغيب

04:17 صباحا
قراءة 4 دقائق
حين كنت على متن الطائرة عائدة إلى الوطن من رحلة قصيرة في الخارج، رحت وأنا جالسة في مقعدي أحدق بخارطة مسار الطائرة على الشاشة أمامي . . كان السهم يتحرك ببطء فوق أسماء البلدان التي نحلق فوقها . شعرت وأنا أتأمل مسار الرحلة بزفير يشق صدري، فقد تنهدت بحرقة على حال الدول العربية التي تحلق الطائرة فوقها .
شعرت وكأنني أحلق فوق أنهار من الدماء، فوق معاناة شعوب وفوق ساحات حروب وصراعات توقدها كل أشكال الطائفية والتطرف والشحناء والبغضاء . . أغمضت عيني، وكأني سأنزل من الطائرة لأزور كل بلد على الخارطة . في العراق، سمعت نشيج أم فقدت طفلها، وفي سوريا بلغ مسمعي أنين لاجئ فرّ من جحيم الموت . . لقد تناهت إلى سمعي كل صرخات الاستغاثة من أناس لا حول لهم ولا قوة، هم من أبناء أمتنا العربية .
وفي الوقت الذي كانت الطائرة تندفع بقوة في سماء سوداء قاتمة، وتشق الغيوم فوق رؤوس أولئك الذين يعانون، مخلفة وراءها سحباً من دخان، شعرت بعجزي أنا، وليس بعجز أحد سواي، شعرت بأنني عاجزة عن مد يد حانية أمسح بها عبرات تلك الأم الثكلى، ومواساة ذلك اللاجئ والتخفيف من وطأة المصيبة عليه . . نعم، فأنا غير قادرة على حماية طفل في حضن أمه، وغير قادرة على إعادة لاجئ إلى وطنه . . أنا عاجزة عن فعل أي شيء يدخل السكينة والأمان إلى نفوس إخوتي وأخواتي في الوطن العربي، عاجزة عن كل شيء إلا عن الكتابة عن معاناتهم، لأن أرواحهم التي تكابد تحتاج إلى صوتي وصوت الآخرين لنخبر العالم بما يحدث لهم .
فلسطين . . . العراق . . . سوريا . . . ليبيا . . . لبنان . . . اليمن . . . إنّ أمتنا العربية تنزف أمام أعيننا، ونحن نتفرج ونغوص في مشاهد المؤامرات ومخططات التقسيم في حين باتت الشعوب ترزح تحت سوط القهر والمعاناة .
شعرت بالعجز الذي أصاب شعوب أمتنا المشرذمة وهي لا تزال تنظر لما يحدث على أنه خسارة عابرة ليس أكثر، في الوقت الذي تتحطم فيه معنويات أناس أبرياء، وتنتهك فيه حرمة الثقافات بوتيرة تتجاوز سرعة كتابتي لكلماتي هذه .
إن الرعب الذي يطوقنا قد يشلّ كل قدراتنا إذا ظللنا صامتين إزاء ما يحدث . يجب أن نتحرك ونرفع أصواتنا لنجدة من يعاني، وهم كثيرون من أبناء أمتنا . يجب أن نقدم لهم يد العون، فالنار التي تحرقهم تكوينا، والألم الذي ينتابهم يوجعنا . . أولسنا أمة واحدة؟ أولا يجب أن نكون كذلك في الضراء كما في السراء؟ وأن نبقى متلاحمين أينما كنا؟
أوشكت الطائرة على الهبوط في محطتها الأخيرة فوق الخارطة، رأيت أنوار بلادي تسطع من بعيد . . . كلمات راحت تتردد في أذني، هي كلمات مؤسس وطني المنير، كلمات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وأسكنه فسيح جناته: "إننا نؤمن بالوحدة وطنياً وخليجياً وعربياً وإسلامياً إيماناً لا يتزعزع ولا يتطرق إليه الشك، وذلك بما نملك من عناصر الوحدة والقوة" .
لقد آمن الشيخ زايد رحمه الله، بالوحدة العربية، وقد بنى الإمارات العربية المتحدة لتكون نموذجا لهذه الوحدة، فكانت بلادنا مثالا للوحدة والقوة . . وها نحن اليوم نقف إجلالاً أمام كل كلمة قالها والدنا الشيخ زايد .
حطت الطائرة على أرض الوطن، شعرت بأمل يغمرني ويدخل السكينة إلى قلبي، فالإمارات العربية المتحدة ماضية بفضل قيادتها الرشيدة لمواصلة ما بدأه الشيخ زايد رحمه الله، فلقد كانت الإمارات وما زالت تمدّ يد العون لكل المحتاجين . وفي العام الماضي، احتلت بلادنا المرتبة الأولى عالمياً في المساعدات الإنسانية والتبرعات الحكومية متقدمة ثماني عشرة نقطة . . فالإمارات تقدم الدعم بكل أشكاله ليس فقط لإخوانها العرب، بل كذلك لكل من يحتاج من بلدان العالم . وبذلك أثبتت دولتنا أن مكانة الدول ليست بمساحتها أو بشكل تضاريسها وموقعها الجغرافي، إنما بما تحمله من نوايا ومقاصد .
وفي الوقت الذي تمعن فيه دول كثيرة بالتدخل في شؤون الدول الأخرى، مفجرة مشاعر الحقد والكراهية وما ينتج عنها من حروب وصراعات، ما زالت دولة الإمارات العربية المتحدة ممثلة بقيادتها الحكيمة وشعبها المتلاحم، تحمل شعار السلام والاحترام لكل الأديان والمعتقدات .
لقد كان للإمارات العربية المتحدة دائماً رؤيتها الإيجابية في محاربة التباغض، وإخماد كل نار توقد، وذلك من خلال التغلب على المشكلات والقضاء عليها بالتعامل معها بكل مرونة . كما كان للإمارات دائماً بصمتها الإنتاجية الواضحة من خلال عملها الحثيث والمستمر . . وهي لا تزال تبذل الجهود الكبيرة لتحقيق حلم الوحدة العربية متعالية فوق كل الأجندات السياسية الفاسدة والمكاسب المالية . فالوحدة لا تقوم إلا على الاحترام المتبادل بين الدول العربية، واليقين التام بأن القوة المطلقة ليست في كمية الأسلحة والتحالفات العابرة .
حطت الطائرة على أرض الوطن التي تحمل كل الأمل بتحقيق حلمنا العربي، ووطأت قدماي أرض إماراتنا العظيمة بكل ما فيها . . . فليباركك الله بلادي وليبارك حكامك وكل من اختارك موطناً له . . . وليحمِ الله عالمنا العربي كله .

عائشة عبدالله تريم

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"