مستقبل«ستارت 3».. مجهول

02:41 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد شوقي عبد العال

في الثامن من إبريل/نيسان 2010 وقع الرئيسان الأمريكي باراك أوباما، والروسي ديمتري مدفيديف، على اتفاقية الحد من الأسلحة النووية الجديدة، والمعروفة بمعاهدة «ستارت الجديدة» أو «ستارت 3»، والتي جاءت لتخلف معاهدة «ستارت 1» التي انتهى العمل بها عام 2001، ومعاهدة «ستارت 2» التي انتهي العمل بها في ديسمبر/كانون الأول عام 2009.
تم توقيع اتفاقية «ستارت 3»؛ بعد مفاوضات شاقة واجهت العديد من العقبات؛ حيث فشلت معاهدتا «ستارت1» و«ستارت 2» في تحقيق أهدافهما؛ بسبب رفض روسيا التوسع الشرقي لحلف الناتو قرب حدودها، وتمسكها بأن تتضمن الاتفاقية نصاً واضحاً يشير صراحة إلى «الدرع الصاروخي»، الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على نشره في بعض دول أوروبا الشرقية.
وتقضي هذه الاتفاقية، التي دخلت حيز النفاذ في الخامس من فبراير/شباط 2011 بعد تصديق الكونجرس الأمريكي عليها، بخفض الحدود القصوى للرؤوس الحربية الهجومية الاستراتيجية لكل من البلدين بنسبة 30%، والحدود القصوى لمنصات الإطلاق الاستراتيجية بنسبة 50%؛ وذلك مقارنة بما كانت عليه الحال في الاتفاقات السابقة، خلال سبع سنوات من تاريخ بدء العمل بها. كذلك فإنها أعادت التعاون والقيادة المشتركة بين الدولتين الكبيرتين في مجال ضبط الأسلحة النووية، وحققت تقدماً كان مفقوداً في العلاقة بينهما في هذا الصدد. كما تلزم الاتفاقية الدولتين بتبادل المعلومات حول عدد الرؤوس الحاملة والناقلة للأسلحة النووية مرتين في السنة.


خلافات روسية - أمريكية


ونظراً لقرب حلول أجل انتهاء المعاهدة؛ حيث تقضي نصوصها باستمرارها لمدة عشر سنوات، مع إمكانية اتفاق الطرفين على تجديد العمل بها لخمس سنوات إضافية؛ وهو ما يعني أن الاتفاقية ستنقضي في أوائل فبراير/شباط من العام المقبل 2021. فقد أثار هذا تساؤلات كثيرة حول مدى استعداد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية لتجديد العمل بها للسنوات الخمس الإضافية من عدمه، وتأثير ذلك، إيجاباً أو سلباً، على مستقبل اتفاقات وجهود الحد من التسلح النووي.
والحق أن ثمة خلافاً واضحاً في مواقف الدولتين في هذا الصدد. فعلى حين يذهب المسؤولون الروس إلى تأكيد أهمية مد العمل بالاتفاقية؛ تجنباً لسباق تسلح نووي جديد، وما قد يترتب عليه من مخاطر. يرى الأمريكيون أن الاتفاق بحالته الراهنة فيه من النواقص والعيوب ما يجعل تمديده يعد أمراً غير مرجح.

وعلى سبيل المثال، فإنه في الوقت الذي أعلن فيه نائب وزير الخارجية الروسي، أواسط العام المنصرم، أن بلاده لا تخطط لتغيير سياساتها خلال الفترة المقبلة؛ بسبب انقضاء سريان الاتفاقية. كان مستشار الأمن القومي الأمريكي آنذاك، جون بولتون، يعلن أنه من غير المرجح تمديد معاهدة «ستارت 3»؛ لوجود عيوب بها على حد تعبيره.


ترامب يريد اتفاقية ثلاثية


وفي السياق ذاته، اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في كلمته أمام رؤساء بلدان رابطة الدول المستقلة، في أواسط أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن الضبابية المحيطة بتمديد معاهدة «ستارت 3» تخلق حالة من عدم اليقين، وتدفع إلى سباق تسلح جديد، قائلًا: «لا يزال عدم اليقين يلف مصير معاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، التي ينتهي مفعولها في فبراير/شباط 2021، وحتى الآن لم تقرر الإدارة الأمريكية ما تعتزم القيام به». معلناً في التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي، خلال المؤتمر الصحفي السنوي الموسع، استعداد بلاده لتمديد المعاهدة على الفور، قبل نهاية العام، ومن دون شروط مسبقة.
أما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فقد أعلن، غير مرة، عن رغبته في صياغة اتفاقية نووية ثلاثية جديدة، بديلاً عن «ستارت 3»، تدخل فيها الصين إلى جانب روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما ترفضه الصين تماماً؛ حيث أعلن المتحدثان الرسميان باسم كل من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع الصينيتين، كل على حدة، في مايو/أيار الماضي، أن الصين لا تعتزم المشاركة في المحادثات حول الانضمام لمعاهدة الحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية، ولن تشارك في أية مفاوضات بشأن اتفاقية نووية ثلاثية. وهو المعنى الذي أعاد تأكيده نائب وزير الدفاع الأمريكي في أوائل ديسمبر الماضي، أمام مجلس الشيوخ في رده على سؤال لماذا لم يتخذ البنتاجون قراراً حتى الآن بتمديد المعاهدة؟، قائلًا: «إنه إذا قامت الولايات المتحدة بالتمديد الآن، فإن ذلك، حسبما أرى، سيقلص فرص إقناع روسيا والصين بالبدء في مفاوضات بشأن اتفاقية أشمل».


مخاوف سباق التسلح


ونظراً للأهمية القصوى لمعاهدة الحد من التسلح النووي، (ستارت 3)، بالنسبة للسلم والأمن الدوليين، وخوفاً من سباق تسلح نووي جديد، لن تقتصر تداعياته وآثاره السلبية على كل من الولايات المتحدة وروسيا فقط، وإنما ستطال المجتمع الدولي في مجمله؛ جاءت مواقف بعض القوى الدولية الكبرى، داعية إلى تجديد العمل بها. من ذلك على سبيل المثال ما جاء ببيان وزارة الخارجية الفرنسية في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من أن «فرنسا تدعو روسيا والولايات المتحدة لتمديد معاهدة «ستارت 3».. ومناقشة معاهدة تحل محلها». وأضاف البيان: إن «الولايات المتحدة وروسيا، تملكان نحو95% من المخزونات النووية في العالم، وهما مسؤولتان بشكل أساسي عن المحافظة على أدوات السيطرة الحالية على الأسلحة التقليدية والنووية».
ومنه أيضاً ما عبّر عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس في أوائل أغسطس/آب الماضي حين دعا الولايات المتحدة وروسيا إلى تمديد المعاهدة؛ لضمان الاستقرار والوقت اللازم للتفاوض بشأن تدابير الحد من التسلح في المستقبل، معبراً عن قلقه بشأن التوتر المتزايد بين القوى النووية، مقرراً أن المعاهدة قد ساعدت على إقامة التوازن في أوروبا، وإنهاء الحرب الباردة، وأن العالم سيخسر وسيلة لا تقدر بثمن ضد الحرب النووية عندما ينتهي العمل بها.
أما الصين فقد أعلن رئيس دائرة الحد من التسلح في وزارة خارجيتها في كلمة ألقاها أمام جلسة عامة للجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر الماضي، أن الحد من التسلح ونزع السلاح على المستوى العالمي يمر في الوقت الراهن بمفترق طرق مهم للغاية تواجهه فيه العديد من التحديات الكبرى، معتبراً أن الولايات المتحدة، في إطار محاولتها ضمان التفوق الأمني على الآخرين تواصل تحويل الفضاء الخارجي والفضاء الإلكتروني إلى ساحتين جديدتين للمعارك، وهو ما يقوض بشدة الاستقرار الاستراتيجي العالمي، ويزيد من مخاطر نشوب حرب نووية، موضحاً أنه مع انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الأسلحة النووية قصيرة ومتوسطة المدى، والشكوك حول مستقبل معاهدة «ستارت 3»، فإن الوضع الأمني الدولي، يظل محاطاً بشكوك غير مسبوقة.
حاصل القول من كل ما تقدم إنه ثمة مؤشرات تدل على أن المجتمع الدولي قد يكون مقبلاً في السنوات القليلة المقبلة على سباق تسلح نووي جديد، هذا فضلًا عن التطورات المتسارعة في مجال عسكرة الفضاء والحرب الإلكترونية، ما ينذر بآثار قد لا تحمد عقباها على السلم والأمن الدوليين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"