ماذا فعل هولاند في لبنان؟

03:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. غسان العزي

وصل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى بيروت، في زيارة عمل ضمن جولة عربية شملت الأردن ومصر، في وقت دعي فيه البرلمان اللبناني، للمرة الثامنة والثلاثين، لانتخاب رئيس للجمهورية... دون جدوى. وعلى الرغم من النصائح التي قدمت له بتأجيل الزيارة أصر عليها معتبراً بأن علاقات فرنسا بلبنان أهم من المسألة البروتوكولية القاضية بوجود نظير له يستقبله في العاصمة اللبنانية. وهكذا فزيارته في ظل الشغور الرئاسي اللبناني أرادت أن تبرهن بأن فرنسا تتعاطى مع لبنان بأسره، شعبياً ورسمياً، بمعزل عن تركيبته الطائفية والسياسية. هذا في الظاهر.
جل ما فعله الضيف الفرنسي أنه أعرب عن أمله في انتخاب رئيس لبناني، مسيحي بالطبع، في أقرب وقت ممكن، لافتاً إلى أن حل هذه المسألة يكمن في يد اللبنانيين أنفسهم وبأن «مرشح فرنسا هو لبنان». وكأنه لا يعرف بأن انتخاب رئيس للبنان، منذ استقلاله عن فرنسا، لم يكن إلا محصلة توافق إقليمي ودولي.
بالطبع التقى هولاند معظم القيادات السياسية والروحية مطلقاً التصريحات الدبلوماسية في كل الاتجاهات. أما من الناحية العملية فقد أعلن بأن باريس سوف تقدم مئة مليون يورو للبنان، في غضون السنوات الثلاثة المقبلة، لمساعدته على مواجهة أزمة اللاجئين السوريين. وبالطبع لا شيء يضمن عدم توقف هذه المساعدة بعد فترة وجيزة لسبب من الأسباب، وللبنان تجارب كثيرة في هذا المجال لا سيما مع المؤسسات الدولية ومنها الأونروا نفسها. جدد هولاند دعم بلاده للبنان اقتصادياً (كيف بالتحديد؟) مشيداً بالحيوية الاقتصادية التي يتمتع بها بلد الأرز من خلال نظامه المصرفي. ولفت إلى أن لبنان يواجه التهديد الإرهابي واعداً بمساعدة الجيش اللبناني.
ليست المرة الأولى التي يسمع فيها اللبنانيون وعوداً فرنسية، تبقى حبراً على ورق، بمساعدة جيشهم وتسليحه لمواجهة الإرهاب. أكثر من ذلك فلا تزال باريس إلى اليوم تمتنع عن تزويد هذا الجيش بصواريخ جو أرض من نوع «هوت» لطائرات «غازيل» المروحية الاثني عشرة التي قدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة للبنان في العام ٢٠٠٧.
شيء واحد إيجابي يمكن أن تكون هدفت إليه زيارة هولاند اللبنانية هو التأكيد مجدداً على الحرص الفرنسي والأوروبي الأكيد على استقرار لبنان والنأي به عن الصراعات التي تعصف بمحيطه. فرنسا تخشى على أمن قواتها في «اليونيفيل» كما تخشى من أن ينضم هذا البلد، إذا انهار استقراره الهش، إلى لائحة الدول المصدرة للنازحين واللاجئين إلى أوروبا بدل أن يبقى كما هو عليه اليوم بلداً مستقبلاً وحاضناً لهؤلاء.
وبمناسبة الكلام عن اللاجئين فكثير من اللبنانيين يخشون من أن يكون الغربيون عموماً، والذين ينادون بالعودة «الطوعية» للاجئين السوريين إلى بلدهم الأم، يفكرون جدياً في توطينهم في لبنان. ويستند اللبنانيون في هواجسهم هذه على ما يدلي به المسؤولون الغربيون من تصريحات في مقاربتهم لأزمة اللاجئين، كما في الزيارة الأخيرة لأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون وقبلها في زيارة ديفيد كاميرون للبنان وفي أكثر من مؤتمر خارجي قارب موضوع اللاجئين كمؤتمر لندن مثلاً.
مثل هذه «الجزرة» نفسها قدمت لتركيا لتمكينها من تأمين فرص عمل للاجئين ومنعهم من العبور إلى أوروبا. لكن شتان ما بين تركيا ذات التسعين مليون نسمة والمليون لاجئ سوري فيها ولبنان ذات الأربع ملايين نسمة والمليون ونصف المليون لاجئ سوري فيه، فضلاً عن نصف المليون لاجئ فلسطيني.
لقد وصل هولاند إلى لبنان وليس في جعبته دواء لداء أو مبادرة لحل، بل تاريخ من الفشل داخل فرنسا وخارجها. في الداخل يمر هولاند بأكثر لحظات حياته ضعفاً غداة مقابلة تلفزيونية فاشلة لم يحضرها سوى ١٤٪ من الفرنسيين، وانحدار لشعبيته إلى مادون ال٢٠٪ مع ٩٠٪ من الفرنسيين لا يحبذون ترشحه لولاية ثانية.
إخفاقات في الخارج، من سوريا والعراق إلى الخليج والملف النووي والصراع الفلسطيني ــ «الإسرائيلي» على خلفية تنافس محموم بين القوى الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط لا يترك مكاناً لبلد مثل فرنسا لم يعد قوة عظمى كما كان في غابر الزمان. هولاند جاء إلى بيروت وغادرها من دون أثر يذكر، فلا خيل عنده يهديها ولا مال.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"