تهويد الخليل بعد القدس

03:02 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

استهل وزير الحرب «الإسرائيلي» الجديد، نفتالي بينت، أيامه الأولى في منصبه بإقرار خطة إنشاء مستوطنة يهودية في قلب مدينة الخليل لإكمال السيطرة عليها وتهويدها. وأعلن بينت موافقته على البدء في إجراءات التخطيط والبناء للمستوطنين في سوق الخليل القديم المعروف ب«الحسبة» وضد مصالح أهالي الخليل. وترمي هذه الموافقة إلى تحقيق هدف المستوطنين بإنشاء تواصل على الأرض بين الحرم الإبراهيمي ومستوطنة «أبونا إبراهيم» في الخليل.
يحقق بينت للمستوطنين حلمهم بالسيطرة الجغرافية على منطقة واسعة في مركز مدينة الخليل تسمح لهم بزيادة التضييق على سكانها العرب وإبعادهم عن وسط المدينة لتسهيل تهويدها.
ولا بد من الإشارة إلى أن شهية نفتالي بينت وحكومة نتنياهو للإسراع في خطوات تهويد الخليل تأتي بعد ما اعتبروه نجاحاً كبيراً في نيل الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لهم وبأن الاستيطان ليس «غير مشروع» في نظر إدارة ترامب. كما أن قرار بينت في هذا الوقت بالذات يعبر عن محاولة اليمين المتطرف استغلال الأزمة الحكومية في الكيان لتمرير مخططات قديمة كانت في بؤبؤ عين اليمين منذ سنوات طويلة.

السوق العربي

ومعروف أن المستوطنين المتطرفين في الخليل نادوا منذ أكثر من عقدين بهدم السوق العربي القديم في الخليل لإنشاء مستوطنة هناك تكون بمثابة شوكة في عيون أهالي الخليل. فالسوق أصلاً مملوك لبلدية الخليل وقد تمت مصادرته لصالح المستوطنين لتسهيل حياة 800 مستوطن على حساب ربع مليون مواطن عربي في الخليل.
وكان الاحتلال قد سيطر على السوق تماماً وجعل منه منطقة ميتة تجارياً بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994 التي نفذها المستوطن باروخ غولدشتاين ضد المصلين المسلمين في صلاة الفجر. وبدلاً من معاقبة المستوطنين وإخلائهم من وسط المدينة قررت حمايتهم بفرض قيود شديدة على حركة الناس والبضائع وأغلقت هذه المنطقة الحيوية.
والآن بعد عقدين من المطالبات بفتح السوق جاء قرار وزير الحرب بهدم السوق لإقامة محال على الأرض وفوقها 70 وحدة استيطانية لليهود. وجاء هذا القرار رغم تحذيرات حتى من الجيش «الإسرائيلي» بأن مثل هذه الخطوات تدفع إلى الأمام بفظاظة مصالح المستوطنين، وسوف تقود إلى معارضة فلسطينية شديدة قد تؤثر على الأراضي المحتلة برمتها. وبحسب المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس» فإن الجيش يتحسب لاحتمال أن توفر الخليل الشرارة التي تشعل الأراضي المحتلة عموماً.
ومعروف أن قرار بينت هو تنفيذ لخطة كان وضعها وزير الحرب السابق، أفيغدور ليبرمان، لتعزيز مكانة المستوطنين في الخليل لكنها لم تنفذ في الماضي لاعتبارات مختلفة. وحينما توفرت الظروف أعلن بينت عن قرار البدء بالتنفيذ وإصدار الأوامر الخاصة بالإخلاء والهدم وإنهاء عقود التأجير لإتاحة المجال لبناء وحدات استيطانية لليهود.

توسيع الاستيطان

ومع ذلك من الواضح أن كل ما يتطلع إليه بينت ونتنياهو الآن هو كسب المعركة الداخلية حتى لو قاد ذلك إلى معارك خارجية. ويستند قادة اليمين في موقفهم هذا إلى طبيعة الظرف الدولي والإقليمي والمحلي. فعلى الصعيد الدولي ورغم الاعتراضات على الموقف الأمريكي من الاحتلال إلا أن التنديد لا يغير شيئاً على الأرض. كما أن حالة الانقسام الداخلي العربية والفلسطينية تسمح للاحتلال بتنفيذ خطوات من دون التحسب لعواقب خطيرة لها، ولهذا السبب فإن الاحتلال لم يعد يركز في خطواته على أهداف محدودة كما كان الأمر في الماضي وإنما صار يوسع من هذه الخطوات.
وإذا كانت أولوية التهويد في الماضي معطاة للقدس عموماً وللحرم القدسي خصوصاً، فإنها الآن صارت على نطاق أوسع في عدد من المناطق خصوصاً في الخليل. ومؤخراً قرر الاحتلال إنشاء مصعد كهربائي في الحرم الإبراهيمي لتكريس السيطرة عليه ولإحداث تغيير في «الوضع القائم» يسمح له بزيادة تقييد حرية المسلمين في الوصول للحرم. وضمن هذا القرار مُنع المصلون المسلمون من دخول الحرم في أوقات معينة وأتيح المجال للمستوطنين لتوسيع هيمنتهم على الحرم الإبراهيمي باسم ما يعرف باحتفالات «سبت سارة».
وقد كشفت مراسلة الأراضي المحتلة في «هآرتس» عميرة هاس النقاب عن أن المستوطنين في الخليل يرون أن قرار بينت بشأن الاستيطان ليس سوى البداية. وأعادت تسليط الأضواء على الجهد المنهجي الذي بذله المستوطنون والحكم العسكري والحكومة «الإسرائيلية» لإفراغ وسط مدينة الخليل من سكانها العرب على مدى خمسين عاماً من وجود الاحتلال. وأكدت أن عملية الإفراغ تمت بأوامر عسكرية وقرارات منع حركة وسياسة ممنهجة وعنف متواصل مارسه المستوطنون على سكان هذه المدينة.

تبريرات يهودية

وبينت «هآرتس» أن ما يطمح له مستوطنو الخليل هو ما كان قد كشفوا النقاب عنه في منشورهم عام 2014 تحت اسم «مغارة الماكفيلا - جذور الشعب اليهودي» وتضمن أهدافهم الاستيطانية في المدينة. ويهود هذا المنشور ليس فقط المناطق الخاضعة حالياً للمستوطنين وإنما أغلب أحياء وشوارع مدينة الخليل. ولا ترى «هآرتس» في أهداف الاستيطان في الخليل حسب هذا المنشور «هذياناً» وإنما خطة يجري تنفيذها على الأرض بشكل متواصل. وتشير إلى الواقع السوريالي في المدينة حيث إن «قلب المدينة فصل عنها. والسفر بالسيارة محظور على الفلسطينيين (فقط سيارات جمع القمامة التي تجمع أيضاً قمامة المستوطنين، يسمح لها بالدخول عبر الحاجز الذي يوجد في حي السلايمة). في شارع الشهداء محظور أيضاً السير على الأقدام للفلسطينيين، ومن بينهم من يسكنون في نفس الشارع».

محاصرة الخليل

والواقع أن مخطط تهويد الخليل لا يتجه فقط نحو إفراغ سكانها الفلسطينيين منها وإنما أيضاً إلى تزنيرها من كل النواحي بمستوطنات. وهكذا إضافة إلى مستوطنة «كريات أربع» التي تتوسع باستمرار وتقضم المزيد من أراضي الفلسطينيين داخل المدينة وخارجها هناك عمليات سلب الأراضي باسم «الطرق الالتفافية» لصالح المستوطنين. وفقط في نهاية الشهر الفائت جرى الإعلان عن مصادرة 400 دونم من أراضي أهل الخليل لإنشاء مقطع طريق التفافي بطول 10 كم وعرض 80 متراً لصالح مستوطني «غوش عتسيون». ولا يرمي الطريق فقط لتسهيل سفر المستوطنين وإنما أيضاً إلى منع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم في الجانب الآخر من الطريق.
وبديهي أن سياسة تهويد مدينة الخليل التي يشجع بينت عليها الآن هي جزء من سياسة تهويد الأراضي المحتلة التي ستظهر ترجماتها قريباً ليس في القدس والخليل فقط وإنما أيضاً في نابلس وبيت لحم. وما إعلانات نتنياهو المتكررة عن ضم غور الأردن وفرض السيادة على الكتل الاستيطانية إلا قطع من الخطة الكبرى لتهويد الضفة الغربية عموماً ومنع إقامة الدولة الفلسطينية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"