المعرض .. سكن المعرفة

استطلاع
01:21 صباحا
قراءة 6 دقائق
القاهرة: عيد عبد الحليم

يعد معرض الشارقة الدولي للكتاب، أحد أبرز معارض الكتاب في العالم العربي؛ حيث يعتبره كثير من المثقفين فرصة جيدة للتلاقي والحوار البناء، نظراً لتعدد أنشطته الثقافية والإبداعية، كما أنه فرصة رائعة للاطلاع على أحدث ما وصلت إليه صناعة الكتاب في العالم؛ حيث يشارك فيه كبار الناشرين العالميين، في هذا الاستطلاع تتحدث مجموعة من المثقفين المصريين عن رؤيتهم للمعرض وتطوراته، وتحوله إلى حالة من عشق المعرفة التي تسكن القلوب.
يؤكد الروائي محمد جبريل، أن المعرض حقق طفرة نوعية قوية في السنوات الأخيرة، بما شهده من تطورات ملحوظة، والوصول إلى أعلى مراحل الجودة في التنظيم الإداري والثقافي أيضاً، وكل هذا جاء بالتأكيد عن طريق الدراسة الواعية لآليات تنظيم المعارض الدولية، فهناك كوادر مهمة تعمل من أجل وصول هذا المعرض إلى مكانة دولية مميزة.
مما لا شك فيه أن إمارة الشارقة قد حظيت بمكانة كبيرة في مجال الثقافة والأدب والمعرفة، وذلك بفضل الجهود المستمرة من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، مما جعل الشارقة عاصمة للثقافة العربية، وحاضرة مهمة من حواضر الثقافة العالمية، وفي هذا المجال الحيوي المهم، وهو المجال الثقافي نجد جهوداً متنوعة في صناعة الكتاب وتحفيز الناشرين، كما نجد اهتماماً واضحاً من قبل سموه بإنشاء المكتبات، وعلى رأسها مكتبة الشارقة العامة بفروعها المختلفة.
ويأتي المعرض تتويجاً لهذا الجهد المتواصل في ترسيخ الثقافة، وتأكيداً على الدور الثقافي والفكري في المجتمع، ولا يقف الأمر عند هذا الاحتفال السنوي بالكتاب، لكن الإمارة شهدت أيضاً ظهور مشروعات ثقافية عملاقة طموحة، مثل حملة «ثقافة بلا حدود»، لتوفير مكتبة لكل أسرة.
وفي الواقع، فإنه لم يكن الاهتمام بالكتاب موجهاً بصفة خاصة إلى الكبار، بل تعدى الأمر ذلك ليشمل الشباب والأطفال أيضاً، من خلال إنشاء مكتبات الأطفال المتخصصة، وهو الأمر الذي يدعو للفخر، فقد أقيمت هذه المكتبات بشكل أنيق وتضم جميع أنواع المعرفة الإنسانية، وهذا الاهتمام بالكتاب وصناعته جاء من إيمان حكومة الشارقة بأن الكتاب ضرورة ثقافية، وأن الثقافة ميراث عالمي لابد من الاستفادة منه بطرق مختلفة تؤدي في النهاية إلى وجود جيل جديد يمتلك عقلية متفردة.

القلب النابض

يرى الناشر محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب الأسبق، أن المعرض من أهم معارض الكتاب في العالم العربي وقد اتخذ الصفة الدولية، نظراً لتطوره المستمر ومواكبته لأحدث ما وصلت إليه طرق عرض الكتب، وبالنسبة للناشرين من دول العالم المختلفة، فإنهم يجدون أفضل تعامل ويجدون فيه أرضاً خصبة لتسويق منتجاتهم الفكرية والإبداعية؛ لذا يحرص سنوياً عشرات الناشرين من أوروبا وأمريكا ومن الوطن العربي على المشاركة فيه، وترتفع نسبة بيع الكتب في المعرض من دورة إلى أخرى. على الرغم من أن أسواق الكتاب في العالم العربي في السنوات الأخيرة تخضع لتغيرات مستمرة ناتجة عن الواقع العربي، وعما يحدث من تطورات سياسية محلية وإقليمية ودولية، وإذا كانت أسواق الكتاب قد توقفت بفعل الحروب في بعض الأقطار العربية، مثل سوريا والعراق فإن معرض الشارقة أصبح ملتقى لكل الناشرين حتى من الدول التي أصابتها ويلات الحرب، بالإضافة إلى كونه ملتقى لأدباء ومثقفي العالم العربي.
ويضيف رشاد: إذا كان كثير من الناشرين يعانون في السنوات الأخيرة صعوبة الشحن للكتب في العالم العربي، فإن إدارة المعرض قد ذللت كل الصعوبات، ومنحت كثيراً من الناشرين فرصاً ذهبية للعرض، وهذا ما لمسناه في الدورات السابقة للمعرض، والذي يتطور من عام لآخر؛ لأنه يفتح آفاق التعاون مع كبريات دور النشر ليس في العالم العربي فحسب بل وكبريات دور النشر العالمية، أضف إلى ذلك استفادته من الخبرات الدولية في مجال المعارض، وأعتقد أن هناك اتفاقيات وبروتوكولات تعاون بينه وبين أهم معارض الكتب في العالم مثل معرض فرانكفورت وغيره من المعارض الكبرى، وهناك أيضاً تعاون إيجابي ومثمر مع اتحاد الناشرين العرب، كما أن معرض الشارقة يتميز بما يمكن أن نسميه بالعدالة الثقافية، من خلال الحرص على مشاركة كل الناشرين العرب وتوزيع أماكن العرض بشكل لائق ومناسب، بحيث لا تجور دار كبيرة على المكان المخصص للدور الصغيرة من الناشرين، ولذلك يشهد المعرض سنوياً مشاركة أكثر من مئتي ناشر عربي، والمسألة في تزايد مستمر.
كل ذلك يأتي من إيمان حكومة الشارقة وإدارة معرضها بأن النشر بمختلف ألوانه وأطيافه بمنزلة القلب النابض، واعتبارهم النشر وسيلة من أهم وسائل التنمية العلمية والثقافية والفنية والإبداعية. فالنشر هو الحبل السري الذي يربط مختلف مجالات المعرفة بمختلف فئات المجتمع وشرائحه، كما أن معرض الشارقة يعمل على تشجيع المبادرات الخاصة بالناشرين، وتكريم المتفوقين منهم، مما يساعد على ازدهار حركة النشر في العالم العربي، وعلى تطوير صناعة الكتاب بشكل عام.
ويرى د. هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن المعرض أصبح قبلة الناشرين في العالم العربي، لاحتفائه بأحدث الإصدارات العلمية والفكرية والإبداعية.
ويضيف د. هيثم قائلاً: تشارك الهيئة المصرية العامة للكتاب سنوياً في المعرض بأحدث إصداراتها من الكتب العلمية والإبداعية المختلفة، فهو من المعارض التي تحرص وزارة الثقافة المصرية على المشاركة فيها سنوياً، وهذه المشاركة ممثلة في الهيئة العامة للكتاب، ولا يتوقف الأمر فقط عند عرض الكتب المطبوعة، بل توجد مجموعة من الفعاليات والأنشطة والندوات الثقافية والفكرية، التي يشارك من خلالها المثقفون المصريون، وكذلك الأمسيات الشعرية المختلفة، نظراً للعلاقات القوية ما بين مصر و الإمارات، وهناك تقدير دائم للثقافة المصرية والإبداع المصري بشكل خاص من قبل القائمين على المعرض.. كما أن المعرض يقام تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، المحب لمصر، والذي يقوم برعاية مجموعة من الأنشطة الثقافية في العالم العربي، ودائماً ما يجد المثقفون المصريون الذين يزورون الشارقة في الأنشطة المتنوعة احتفاء وتقديراً خاصاً.
ويشير د. هيثم إلى أن معرض الشارقة يتميز بعدة سمات أولها: جودة التنظيم ودقته؛ حيث وصل التنظيم إلى درجة فائقة من خلال تراكم الخبرات لدى منظميه، ثانياً: اعتماده على أحدث تقنيات عرض الكتب، ثالثاً: جودة التسويق لأنشطة المعرض، من خلال إدارة الإعلام الخاصة به، وحضور كبار الإعلاميين من العالم العربي ومن دول العالم المختلفة لمتابعة أنشطته، رابعاً: تنوع الأنشطة الثقافية به، من خلال إقامة ندوات يشارك بها كبار المبدعين من العالم، وبعضهم ممن حصل على جوائز عالمية، وإقامة أمسيات شعرية يشارك فيها أجيال متنوعة من الشعراء العرب والأجانب.
خامساً: الاهتمام بكل ما هو جديد في عالم النشر، خاصة النشر الإلكتروني، وإقامة حلقات بحثية حول كل ما هو جديد وما له علاقة بصناعة الكتاب وصناعة الثقافة الرقمية، وكل ما يتعلق بثقافة المستقبل بشكل عام، كما يهتم المعرض من خلال مشاركتي فيه لعدة سنوات بثقافة الطفل، وتقديم أحدث المنتجات الثقافية في هذا الإطار، كل ذلك يجعل من معرض الشارقة للكتاب حالة خاصة من معارض الكتب العربية، مما يجعل كثيراً من المثقفين العرب ينتظرون المشاركة فيه سنوياً، نظراً لتميزه على أكثر من مستوى.

فكر منظم

ويؤكد الكاتب المسرحي، محمد أبو العلا السلاموني، أن المعرض فرصة جيدة للتلاقي بين الثقافات المختلفة، وفتح أفق مغاير للحوار حول مستقبل المعرفة في العالم، هذا ما أكدته الدورة السابقة للمعرض، وهذا ما تسعى إليه إدارة المعرض في الدورات المقبلة؛ لأن أفضل السمات التي يتميز بها هذا المعرض هو البحث عن صيغة مستقبلية للثقافة، لذا نرى كثيراً من الأسماء البارزة في عالم الفكر والإبداع يحرصون على المشاركة في فعالياته.

مسار مختلف

الروائي يوسف القعيد، يشير إلى أن الشارقة منذ البداية اتخذت مساراً مختلفاً، وهو المسار الثقافي، وراحت تؤكد هذا من خلال الاهتمام الواضح بجوانب المعرفة المختلفة، فهناك حركة ترجمة مزدهرة، وهناك اهتمام نوعي بالتراث الشعبي، والتراث الإنساني أيضاً، كما أن هناك اهتماماً بالمسرح، من خلال إقامة الهيئة العربية للمسرح والتي تقيم مسابقات سنوية لتشجيع كتاب ومخرجي المسرح في العالم العربي، وإقامة مهرجانات نوعية في هذا المجال.
ويأتي معرض الشارقة للكتاب ليجمع أطيافاً متنوعة من المبدعين من مختلف دول العالم، فهذا المعرض يشهد سنوياً إقبال عدد من الناشرين الكبار على مستوى العالم للمشاركة فيه، مما غرس الثقافة العالمية للقارئ العربي، الذي كان يجد صعوبة في وجودها قبل ذلك، كما أنه يعد فرصة طيبة لعقد بروتوكولات تعاون بين دور النشر المختلفة، وتعرف الناشرين العالميين إلى حركة الثقافة والإبداع في العالم العربي، مما يعطي مساحة لنشر وترجمة الأعمال المميزة من الإبداع العربي إلى لغات أخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"