عادي

المصالح المرسلة في حياتنا(1 ــ 2)

22:15 مساء
قراءة 3 دقائق
1
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

يقول بعضهم إن القرآن الكريم يقول: «ما فرطنا في الكتاب من شيء» الآية 38 من سورة الأنعام.
ومن المعلوم أن الرسول  صلى الله عليه وسلم  باعتباره خاتم الأنبياء والرسل، ما توفي إلا بعد أن بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة.
ومع ذلك، فإننا نجد الكثير من القضايا والأحداث لم يرد لها ذكر، لا في الكتاب ولا في السنة، مما يجعل بعض الناس يشك في شمولية دين الإسلام، وأنه صالح لكل زمان وكل مكان.
أقول لهؤلاء: إن القرآن الكريم لا يتناول الجزئيات؛ بل يضع القواعد الكلية، ألا ترى أن مثل قوله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان»، الآية 2 من سورة المائدة، صالح لأن يكون شاملاً لجميع أمور الدين.
ومثل ذلك قول الله تعالى: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمّا يعظكم به»، الآية 58 من سورة النساء.
هذه الآية جاءت شاملة أيضاً، لأن الحياة عامة تبنى على فرض الأمانة، وإقامة العدل.
إذن، فإن الدين الإسلامي من صفاته أنه مرن ويسر لا عسر، فما لم نجد في نصوص الكتاب والسنة صراحة، أوكل الدين أمره إلى العلماء وهم ورثة الأنبياء، يستنبطون الأحكام من تلك النصوص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ له أجر» رواه البخاري.
ومثل هذه العملية تسمى في الشريعة بالمصالح المرسلة أو تسمى الاستصلاح، وقد أشار الشافعي، رحمه الله تعالى، إلى المصالح المرسلة بقوله: «إن الوقائع الجزئية لا حصر لها، والأصول الجزئية التي تقتبس منها المعاني والعلل محصورة متناهية، والمتناهي لا يفي بغير المتناهي».
لا بد إذن من طريق آخر يتوصل بها إلى إثبات الأحكام الجزئية، وهي التمسك بالمصالح المستندة إلى أوضاع الشرع ومقاصده على نحو كلي، وإن لم يستند إلى أصل جزئي، انظر «تخريج الفروع على الأصول» للزنجاني ص 322.
ومن المعاصرين الذين نادوا بالأخذ بالمصالح المرسلة، الشيخ عبد الوهاب خلاف، رحمه الله تعالى، الذي يقول في كتابه «مصادر التشريع فيما لا نص فيه» ص 90. 91: «إن الوقائع تحدث، والحوادث تتجدد، والبيئات تتغير، والضرورات والحاجات تطرأ، وقد تطرأ للأمة اللاحقة طوارئ لم تطرأ للأمة السابقة».
وقد تستوجب البيئة مراعاة مصالح ما كانت تستوجبها البيئة من قبل، وقد يؤدي تغير أخلاق الناس وذممهم وأحوالهم، إلى أن يصير مفسدة ما كان مصلحة، فلو لم يفتح للمجتهدين باب التشريع بالاستصلاح، ضاقت الشريعة الإسلامية عن مصالح العباد، وقصرت عن حاجاتهم، ولم تصلح لمسايرة مختلف الأزمنة والأمكنة والبيئات والأحوال، مع أنها الشريعة العامة لكافة الناس، وخاتمة الشرائع السماوية كلها. أجل إذا كانت الشريعة لا تضيق وتتسع لكل مصالح الناس فلماذا صدور الناس تضيق، وتتهم الشريعة الإسلامية بالقصور، وتنادي بالتجديد في أصول الفقه؟
نعم، نريد الشريعة تتحدث صراحة عن البنوك والمحاكم وأسواق المال والسفر بالطائرة وصالونات الحلاقة وغيرها من مصطلحات العصر، لكن الشريعة أحالتنا إلى قاعدة الاستصلاح، لنقضي بموجبه في المصالح المرسلة كلها.
إذ لا يعقل أن نجد نصاً في الكتاب أو السنة يسمي لنا وزارة الداخلية، ووزارة الاقتصاد، ووزارة العمل، على سبيل المثال، ولكننا نجد كما قلت: قوله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"