العراق.. الطريق الدامي إلى التغيير

03:04 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فراج أبو النور*

لم تكد تظهر بارقة أمل في اتجاه العراق نحو التغيير باستقالة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، تحت ضغط الانتفاضة الشعبية في بغداد ومحافظات وسط وجنوب البلاد، حتى جاءت مذبحة «ساحة الخلاوي وجسر السنك» يوم الجمعة الدامي 6 ديسمبر وقصف منزل زعيم التيار الصدري في النجف، بقذيفة من طائرة مسيرة ليمثلا تطوراً خطيراً، زاد من اشتعال التوتر، وسلط الضوء بقوة على تشبث القوى المسيطرة على الحكم في العراق بمحاولة إبقاء الأوضاع القائمة في البلاد على ما هي عليه.
القوى المسيطرة على السلطة تراهن على ما يبدو على عامل الوقت والتنازلات المحدودة.. جنباً إلى جنب مع استخدام «العنف المفرط» وما يسمى ب«الطرف الثالث» لإنهاء الانتفاضة الشعبية العارمة، المشتعلة منذ أكثر من شهرين، والتي قدمت نحو (450) شهيداً، وآلاف الجرحى حتى الآن.
ويشير هذا إلى أن هذه الطبقة السياسية لم تستخلص الدروس اللازمة من تطور الانتفاضة، التي بدأت بمطالب اقتصادية واحتجاجات على التضخم المنفلت والبطالة المتفشية، وتدهور الخدمات العامة، والفساد المستشري في أوساط الحكم، وتهريب عشرات المليارات من عوائد النفط وثروات البلاد إلى الخارج، بما جعل العراق واحداً من أكثر بلدان العالم فساداً.. لكن لجوء الجيش والقوى الأمنية والميليشيات الحزبية لاستخدام «العنف المفرط» والرصاص الحي في مواجهة المتظاهرين، وسقوط مئات الشهداء، قد دفع هؤلاء المتظاهرين بدورهم - خاصة في مدن الوسط والجنوب - لردود أفعال عنيفة مثل إحراق المنشآت الحكومية، ومقار الأحزاب المشاركة في الحكم وفي قمع المظاهرات بالسلاح..
والأمر الأهم هو أن استخدام الحكومة للعنف المفرط قد حفر هوة عميقة بينها وبين المتظاهرين، ودفع بالمطالب السياسية إلى واجهة مطالبهم، وفي مقدمتها استقالة الحكومة، وحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة في ظل مفوضية جديدة للانتخابات وقانون انتخابي جديد.. وصولاً للمطالبة برحيل وجوه الطبقة السياسية الحالية عن مواقع الحكم والحياة السياسية عموماً، وبالطبع - محاكمة جميع المسؤولين عن قتل المتظاهرين - ومن جهة أخرى فإن هذه التطورات قد عززت وأبرزت بصورة أكبر «الطابع العابر للطائفية» للانتفاضة الجماهيرية، حيث شاركت جماهير سنية وشيعية جنباً إلى جنب في الانتفاضة.. كما اتسمت مناطق ذات أغلبية سكانية شيعية، وخاصة في الجنوب، بعنف خاص للأحداث، كما في النجف وكربلاء، حيث تم إحراق القنصليتين الإيرانيتين في المدينتين، بما لذلك من دلالات.

دروس غير مستفادة

أدى إطلاق قوات الجيش للرصاص على المتظاهرين في مدينة الناصرة وسقوط نحو أربعين شهيداً، إلى المزيد من اشتعال المظاهرات، كما كان سبباً مباشراً في دعوة المرجع الديني «السيستاني» للبرلمان إلى سحب الثقة من عبدالمهدي، الذي بادر لتقديم استقالته «استجابة لطلب المرجعية» كما أعلن.. كما تمت إقالة القائد العسكري لمنطقة الناصرية وإحالته للمحاكمة في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي.. وبالتوازي مع ذلك أقر البرلمان قانوناً يقضي بحل مفوضية الانتخابات القديمة، التي تمت في ظلها واحدة من أكثر الانتخابات البرلمانية فساداً وتزويراً (انتخابات البرلمان الحالي).. ويستعد البرلمان لإقرار قانون انتخابي جديد خلال الأيام المقبلة، وبمقتضى قانون «المفوضية» الجديد تجب إقالة جميع كبار موظفي المفوضية الفاسدة المنحلة، وتشكيل مفوضية جديدة من رجال القضاء، بالقرعة وليس من خلال ترشيح الأحزاب السياسية، كما كانت الحال في ظل الهيئة المنحلة.

نحو حل البرلمان

وأشارت تصريحات بعض السياسيين إلى أنه من المفترض أن يحل البرلمان نفسه، بعد إقرار القوانين المنتظرة، وتشكيل الحكومة الجديدة التي يفترض أن تكون مؤقتة لمدة ستة أشهر أو سنة، وأن تكون مهمتها الإعداد لانتخابات مبكرة في ظل القوانين الجديدة.
إلا أن مذبحة «الخلاوي والسنك» والهجوم على منزل مقتضى الصدر - المعروف بدعمه للانتفاضة الشعبية - وتوجيه الإنذارات لرجال «القبعات الزرقاء» التابعين ل«سرايا السلام» - الجناح العسكري للتيار الصدري، بسبب دفاعهم عن المتظاهرين «على لسان فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي» - كلها تطورات تشير - هي وغيرها - إلى أن القوى المسيطرة على الحكم في العراق لم تستخلص الدروس اللازمة من تطورات الأحداث.. وتصر على نهجها التصعيدي.
لذلك فإن السيناريوهات المحتملة لتطور الأحداث في العراق يلفها ضباب كثيف.. وخاصة السيناريوهات المتفائلة، مثل تشكيل حكومة مؤقتة لإجراء انتخابات مبكرة تتسم بالنزاهة والشفافية.

التأثيرات الإقليمية والدولية

أما الحقيقة الأكبر والأهم فهي التأثيرات الإقليمية والدولية و«المحلية طبعاً» التي تلقي بظلالها الكثيفة على الصراع السياسي في العراق، وعلى مختلف سيناريوهات الخروج من الأزمة المستحكمة فيه فالسلطة العراقية الحاكمة والميليشيات الداعمة لها تستند إلى دعم إيراني قوي لتصلبها، وإلى ما قامت به الولايات المتحدة بعد غزو العراق وتدمير كل مؤسسات الدولة عام (2003).. خصوصاً أن الدستور العراقي - الذي وضعته أمريكا - يقوم على المحاصصة الطائفية أصلاً. وأمريكا بنفوذها السياسي والعسكري ووجود قواتها، وشبكة علاقاتها القوية برجال الحكم، مهتمة بإضعاف نفوذ إيران ورجالها في العراق.
لهذا نعتقد أن صراع السيناريوهات مرشح لأن يطول ولن يعود العراق إلى ما قبل الانتفاضة الحالية بالتأكيد.. لكن حسم الصراع الداخلي فيه لا يبدو قريباً.. وكل الحلول المحتملة تبدو مؤقتة وتعبر على بحر من الدم.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"