منشورات القاسمي.. كتابات بمداد الألفة

مؤسسات
01:12 صباحا
قراءة 6 دقائق
الشارقة: «الخليج»

ستة كتب من إصدارات منشورات القاسمي لسنة 2019، تراوحت بين الفكر التنموي العميق، وبين الغوص في بحور الشعر وتراجمه الوجدانية، وبين الذهاب بعيداً عبر تفاصيل الذاكرة واستحضار المثل والقيم الأخلاقية التي تجسدت في سير شخصيات بعينها، والاحتفاء بالقدس السليبة في زمن الضياع العربي هذا، إضافة إلى البحث في سيرة شاعر نبطي يعد علامة من علامات القصيدة النبطية.
هذا التنوع الذي ورد في الكتب: «طرائف النوادر عن أصحاب المآثر» للدكتور علي القاسمي، و «القدس في زمن ضائع» للدكتور يوسف الحسن، و«دفتر الشارقة: ترجمان العشق» لجمعة اللامي، و«القوى الناعمة: سموم في أواني الجاذبية» للدكتورة رشا يحيى، و«التنمية الثقافية في دولة الإمارات.. من التكون إلى التمكن» للدكتور محمد حمدان بن جرش، و«الماجدي ابن ظاهر: المثقف الفهيم» للكاتب عبد الله سيف لينيد الشويهي، يضع أمام القارئ وجبة دسمة من المعرفة بكل تجلياتها، وبكل رصانتها ومتعتها، ويجعله يرحل بعيداً في رحلة استكشاف، قد لا تأخذ منه وقتاً طويلاً بمقاييس الفائدة التي سيجنيها من مطالعة مثل تلك الكتب وعناوينها المختلفة، إنها رحلة تستحق أن تخاض بكل تفرغ لها، وبكل تمعن في محتويات المقروء من خلالها.


ثقوب الزمن


كتاب نادر في حكاياته ونوادره مع المفكرين وأصحاب القصص النادرة، ممتع وشائق في قراءته، والاطلاع على ما فيه من نوادر العظماء من أصحاب الفكر، يقول الدكتور علي القاسمي في مقدمة كتابه «طرائف النوادر عن أصحاب المآثر»: «اقترح عليَّ عدد من أصدقائي أن أكتب سيرتي الذاتية، ولكنني أحسب أن السير الذاتية ينبغي أن يسطرها عظام الزعماء وكبار المفكرين الذين أثروا في مسيرة التاريخ أو تطور الحركات الفكرية، لتكون سيرهم دافعاً لطموح الشباب، وتصبح مُثلُهم وأخلافهم نموذجاً تحتذي به الأجيال الناهضة».
ضم هذا الكتاب ما علق في ذاكرة مؤلفه من طرائف عن كبار الشخصيات الذين التقاهم، حيث يقول عنهم وعن دوافع اختياره لهم: «الذين أتيح لي أن التقيهم والذين يستحقون الذكر، حيث أُلقي بعض الضوء على معالم مسيرة حياتهم المهنية».
يجمع الكتاب بين دفتيه مجموعة مهمة من المقالات لشخصيات أدبية سياسية وثقافية واجتماعية، كان لها دور في حياة المؤلف، بيد أن هذه الذكريات لا ترتقي إلى مصاف التاريخ الموثق، على الرغم من حرصه على توخي الصدق والأمانة والموضوعية عند تدوينها، كونها تعتمد على الذاكرة، ولم تستعن بيوميات دقيقة، فالذاكرة، كما هو معروف، لا يمكن الركون إلى صوابها ودقتها، فقد تصيبها الثقوب مع مرور الزمن.


مكانة بارزة


«القدس ليست مدينة عابرة، بل كانت دوماً في تضاعيف تاريخ مديد»، كما يقول الدكتور يوسف الحسن في مقدمة كتابه «القدس في زمن ضائع»، ويضيف الدكتور الحسن مبرزاً أهمية المدينة المقدسة التاريخية قائلاً: «احتلت مكانة بارزة بين مدن العالم منذ آلاف السنين، وظلت في عمق عديد الصراعات والتفاعلات الإنسانية عبر القرون، وفي مخيال جماعات وأقوام بلا عدد، حيث اختلطت عند بعضها الأساطير بالتاريخ، لكنها ظلت موقرة عند مؤسسيها اليبوسيين الكنعانيين، وأحفادهم من العرب والمسلمين، تهفو إليها أفئدتهم، وحاضرة في ضمائرهم بقدسيتها الدينية، وجذورهم فيها وبتاريخها السمح».
ويستعرض الكاتب في مقطع آخر من كتابه تاريخ الغزو والاحتلال والتدمير الذي شهدته القدس، وما تمثله من عمق للعرب ولقضية فلسطين المركزية عندنا فيقول: «ظلت القدس مطمع أنظار الغزاة، فحوصرت مراراً، وهدمت وأعيد بناؤها تكراراً، وحافظت على هويتها العربية، المنفتحة والمتسامحة، واغتصب الغزاة حقوق أهلها، ودمروا بيئتها الحضارية، وبشكل وحشي، وعبثوا بتراثها وآثارها، وحرّفوا تاريخها تشويهاً وتهديداً، فالقدس لا تمثل لنا كعرب مجرد مدينة مقدسة، تهفو إليها الأفئدة، لكنها المدينة الرمز لقضية نبيلة وعادلة، هي القضية الفلسطينية. وهي المدينة المحتلة الرمز لوطن سليب، ولحقوق شعب مسروق، والدليل الحي على أكبر عملية سطو مسلح في العصر الحديث، وأبشع عملية تزييف للتاريخ والوعي الإنساني، إنها القدس أيضاً، لها ظلالها وامتداداتها، ومبثوثة في كل الأمكنة والتواريخ، في الحق والقانون والعدالة وكرامة الإنسان وكرامة الأوطان في آن واحد».
في هذا الكتاب خمس مجموعات من المقالات والبحوث، الناظم لها أوراق من الذاكرة، والبحث المنفتح على أسئلة يتحدد سياقها في فضاءات القدس وظلالها في أرض فلسطين التاريخية، وتبحث عن الضائع على أمتنا، وتحث على استدعاء يقظة وصحوة ضروريتين لانتشال القدس من براثن الاحتلال، إنه كتاب جدير بالقراءة لما يتضمنه من بحوث ودراسات وتعليقات.


غوص

في كتاب من 180 صفحة تقريباً بعنوان «دفتر الشارقة: ترجمان العشاق»، يغوص جمعة اللامي، في أعماق الكلمات العظيمة والشخصيات التاريخية التي منحت معنى للإنسانية عبر المحبة والسلام والوفاق بين البشر أجمعين، ويجمع بين اللغة العالية وأفضال الكُتاب والمثقفين على العالم، حينما يضيئون زوايا العتمة بمداد من كلمات الألفة.
ويتناول اللامي إشكالية الحب وتعريفاته وتاريخيته، ويقول في فصل بعنوان «هذا الترجمان»: «الحب قديم قدم الإنسان، بل هو، إذا استخدمنا منطق التأويل، قديم لا محدث، لأنه مقترن بالله سبحانه وتعالى، عرفته ثقافات الأمم والشعوب والملل جميعاً، وسجله يمتلئ شعراً ونثراً، بعد ما عاش الناس قصصه وحكاياته، أو ترجموا له».
ويضيف اللامي في نفس الفصل مشيراً إلى تاريخ الحب وتأصيله عند العرب قائلاً: «الحب اختيار عربي بامتياز، وفيه نفحات إلهية يشير إليها الذكر الحكيم، ويتجوز في ذكرها العرفانيون وأهل القلب، وأولئك الشعراء من المخابيل الذين تتوسطهم قبيلة (بني عذرة) وعن يمينها وشمالها، تتوزع قوافل المحبين العرب، عِزين، ويبقى حب الله تعالى والذوبان في كماله وجماله مبتغى آمال السالكين، وقوافل مسعى الواصلين، ومنية أمنيات البكائيين بين يدي مخلوقاته التي أودع فيها بعضاً من روحه».
ثم يستعرض الكاتب معاني الحب في بعض الحضارات والآداب العالمية الأخرى فيقول: «ينسج الأدباء والمفكرون العرب والأجانب قلائد من جُمان، بل أجمل وأنفس من كريم الجواهر في الحب والإنسان، فهذا الفيلسوف اليوناني أفلاطون الذي وضع كتاباً في الحب، يقول فيه: (الحب يخلق جميع الفنون، وهو واضع السلام بين البشر)، وهكذا يقول الفيلسوف الهندي (طاغور) بصيغة أخرى: (من يبحث عن الحب يطرق الباب. أما المحب فيجد الباب مفتوحاً). وهو أيضاً الحب الفلسفي الذي عبر عنه جبران خليل جبران في كثير من قصائده».


نظرة ضيقة

يطالعنا كتاب «سموم القوى الناعمة» للدكتورة رشا يحيى، ببحث في مفهوم القوة بمعنى قوى الدولة الشاملة وعلاقتها بالقوة الناعمة، حيث تأتي أهمية الكتاب في ظل النظرة الضيقة التي سادت الأوساط الثقافية والإعلامية في تفسير معنى القوة الناعمة، وهو ما هوّن من الحرب الشرسة، وغابت الرؤيا السليمة، لذلك قامت الكاتبة بإصدار هذا الكتاب القيم، والذي تشرح فيه مفهوم القوة الناعمة بشكل رصين قائلة: «لقد انتشر مصطلح (القوى الناعمة) في السنوات الأخيرة، ولكن بشكل خاطئ، وذلك باعتباره مرادفاً للفن والثقافة فقط، وهو ما يتضح معه عدم وضوح المفهوم الشامل للقوة الناعمة كمقابل للقوة الصلبة، وهي تعني كل الوسائل والأساليب التي تحقق ما تستهدفه الدولة في دولة أخرى من دون إكراه أو استخدام لِلقوة العسكرية، فهي تعتمد على الجاذبية والقدرة على الاستقطاب والإقناع بدلاً من الإرغام، وهي إحدى وسائل الجيل الرابع للحروب، وتستهدف إفشال وزعزعة استقرار تلك الدول المستهدفة، وتفتيت مؤسساتها، والعمل على انهيارها أمنياً واقتصادياً، وتفكيك وحدة شعبها».


سرد توثيقي

يقدم الدكتور محمد حمدان بن جرش في كتابه «التنمية الثقافية في دولة الإمارات العربية المتحدة.. من التكون إلى التمكن»، رصداً بحثياً ممنهجاً لجميع أوجه تلك التنمية، ويقول عن ذلك في مقدمة كتابه: «إن رصد التنمية الثقافية في دولة الإمارات بعد أكثر من أربعة عقود على تأسيسها، لا يمكن أن يمر إلا عبر سرد توثيقي لبعض التفاصيل والخصائص المهمة من الحياة الإماراتية بشكل عام، وخاصة على المستويين السياسي والاقتصادي، وانعكاساتها على المسألة الثقافية التي تتعدد أبعادها، ويتقاطع فيها الخاص والعام، والذاتي والموضوعي».


صفحات غامضة


يتناول كتاب «الماجدي ابن ظاهر، الفهيم المثقف» دراسة الشعر النبطي للماجدي ابن ظاهر، وخصائصه الفنية، ضمن العديد من المواضيع التي لم يلتفت إليها من تناولوا سيرة هذا الشاعر الفذ، الذي يعتبر وبحق الشاعر النبطي الأول، والذي استطاع أن يتربع على عرش تلك القصيدة. ولعل أهم ما يتعرض له مؤلف الكتاب عبد الله سيف لينيد الشويهي ويتوقف عنده هو نظرة الشاعر للحياة والموت، وخبرته، وفهمه لما تؤول إليه الشيخوخة و الحياة بشكل عام.
ويستعرض الكاتب في مقدمته دوافعه للغوص في تراث وأدب ذلك الشاعر، واصفاً إياه بالفهيم المثقف، قائلاً: «لقد ترك الفهيم المثقف، بعد رحيله، صفحات غامضة من تاريخ حياته، وهو ما استدعى الغوص ثانية في خضم قصائده، فعملت مركزاً على الدلالات الخاصة لمفردتي الفهيم والمثقف، وأن أمضي قدماً في دراسة أسلوبه الشعري المتفرد، وطريقة بناء قصائده، مع الأخذ بالحسبان أن الماجدي كان نادرة زمانه وعصره في مجال الشعر النبطي، لذلك نراه يفتخر بنفسه في العديد من المواضيع الشعرية، معتقداً أن أفضل أشعاره هي تلك التي نظمها في مجال الحكمة وأمور الحياة، وفي هذا نراه يشير بنفسه إلى تميز شعره بالبعد عن التكلف والتصنع، والسبب في ذلك يعود إلى تمكنه من معجم الشعر النبطي، وامتلاكه لقدرات هائلة من الصور الإبداعية والفنية المبتكرة».
ويضيء الكتاب كذلك على لوحات من حياة الشاعر في فترات غفل عنها الدارسون، ويبرز طموحه وعلمه وفهمه، وتميز شعره بالحكمة، وسهولة حفظ قصائده والتغني بها وكونها تعبر عن البيئة الصحراوية التي عاش بها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"