الديمقراطية لا تهبط بالمظلة

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

تعهّد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن أمام المشاركين في (القمة من أجل الديمقراطية)، بتقديم بلاده 24 مليون دولار خلال عام 2022 لدعم الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، وقال إن تآكل القيم الديمقراطية يتزايد جراء التحديات العالمية وهي أكثر من ذي قبل، وتتطلب جهوداً مشتركة لعلاج هذه المخاوف. 
 وجاء أول رد فعل عربي على تصريح الرئيس الأمريكي من تونس، وعلى لسان الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، الذي لاحظ عدم دعوة الدول العربية للمؤتمر باستثناء العراق، وقال «إن فرض النظام الديمقراطي والدفاع عنه يجب أن تبقى مهمة داخلية بحتة لشعوبنا، نحن قادرون لوحدنا على إنجازها، ولا نقبل بفرضها من الخارج. والحالة العراقية أكبر مثال على فشل ذلك..»، علماً بأن الرئيس الأمريكي لم يذكر الوسائل التي سيستخدمها لنشر القيم الديمقراطية أو تعزيزها، ومن الواضح أنه يتحدث عن دول ليست ديمقراطية، أو أنها تمارس الديمقراطية بشكل منقوص.
 لن ندخل هنا في جدال بشأن الفرق بين القيم الديمقراطية والمبادئ الديمقراطية إلا أنه بات معلوماً لأي مطّلع على جوهر الديمقراطية ومبادئها، أن الديمقراطية عبارة عن منظومة تشمل القيم والمبادئ والقوانين، وتتطلب تراكماً توعوياً ومراحل عديدة حتى تدخل نسيج ثقافة الناس ومعارفهم. ومن البديهي القول إن القيم تختلف من شعب إلى آخر نظراً لاختلاف العادات والتقاليد والأعراق والمعتقدات، لهذا من الصعب إنزال الديمقراطية بالمظلة على أي شعب ليتحول إلى شعب ديمقراطي بين ليلة وضحاها، ولو تتبعنا ممارسة الديمقراطية وانتشار قيمها في الدول الديمقراطية العريقة لوجدناها تصطدم بقيم مجموعات معينة لها مفاهيمها الخاصة بشأن الحريات، وهو مبدأ رئيس للديمقراطية، لاسيما حين يتعلق الأمر بالحريات الشخصية، أي أن القيم لا تزال غير مستقرة في المجتمعات الديمقراطية، بينما المبادئ موجودة لأنها محكومة بقوانين واضحة وثابتة ويتم تطبيقها على الجميع، ويتعرض من يعترض عليها للمحاكمة.
 لقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس باراك أوباما، إلى نشر الديمقراطية بالقوة في عدد من الدول العربية تحت شعارات مختلفة أهمها إزاحة النظم الدكتاتورية والاستبدادية، وخلقت فراغاً أمنياً في المجتمعات، استغلته التنظيمات المتشددة التي سعت إلى تكوين إمارات إسلامية، ومارست شتى أنواع العنف، وراح ضحية هذا النهج غير المدرك لطبيعة المجتمعات ومكوناتها، مئات الآلاف من القتلى والجرحى والملايين من النازحين، إضافة إلى تدمير البنى التحتية والمؤسسات الخدمية، وكانت النتيجة استمرار الأنظمة القديمة في بعض الدول، وتغيير بسيط في دول أخرى، من ناحية الشكل، ولم تتحقق القيم الديمقراطية التي كان ينشدها الرئيس باراك أوباما ويدعو إلى دعمها الرئيس جو بايدن.
 يتطلب تحقيق النظام الديمقراطي شروطاً جوهرية أهمها التخلص من الأمية الأبجدية للمجتمعات، ونشر الوعي بالحقوق والواجبات واحترام النظام العام، والتخلص من التشدد في النظام العشائري والقبلي، وتجسيد مبادئ وقيم التسامح وقبول الآخر والاعتراف بالاختلاف، وتمكين المرأة، واستقلال القضاء وتعزيز الشفافية. فإذا تحققت هذه القيم والمبادئ يتحول المجتمع تلقائياً إلى نظام ديمقراطي وإن حافظ على نظام الحكم، فهناك دول ملكية وديمقراطية في الوقت ذاته. وما سبق ذكره غير موجود في العديد من المجتمعات العربية؛ إذ لا تزال الأمية والقبلية والتطرف سائدة، مع انتهاك حقوق المرأة والطفل وانتشار الفساد وغيرها، فكيف يمكن دعم القيم الديمقراطية في هذه المجتمعات؟
 إن ال24 مليون دولار التي ستقدمها الولايات المتحدة الأمريكية لا تكفي لبناء ثلاث مدارس أو إعادة إعمار بيوت النازحين وغيرها، إلا إذا كانت ستقدمها للمنظمات والجمعيات غير الحكومية، وهي بذلك ستعيد تجربة أوباما مرة أخرى، لذلك، فإن دعم القيم الديمقراطية مهمة داخلية، وهي عملية متكاملة شأنها شأن التنمية واستدامتها.. والحديث ذو شجون..
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"