القانون.. إنسانياً

01:24 صباحا
قراءة دقيقتين

حين يخطئ الطفل يبحث والداه عن الوسيلة المثلى لتصويب الخطأ وإرشاده إلى الطريق الصحيح، كي يتعلم ويفهم، ويعتاد على إعمال العقل والتفكير قبل التهور. ولا يكرر الخطأ إلا من لم يجد من يدلّه على الصواب ويتحاور مع عقله ليستوعب قبل أن ينفذ. في القانون اعتدنا أن نرى الأمور بعين الثواب والعقاب، الحكم على أي موقوف أو متهم بالسجن والقصاص أو بالبراءة؛ لأن القانون لا يعرف العواطف، هكذا يقولون، لكن حين تتدخل النزعة الإنسانية، ينطق العقل بلسان القلب ويبحث الإنسان عن أحكام يصدرها بحق الجاني، تكون أكثر فائدة للمجتمعات وللأفراد، مثل التعديلات الجديدة التي صدرت في الإمارات على قانون مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، ويبدأ تطبيقها في الثاني من يناير 2022. 
«العلاج بدل العقوبة»، هكذا يفكر الأب بعقله وحنانه، حين يواجه مشكلة ما مع ابنه، وهكذا تحركت الإمارات لتعالج كل مدمن وتحوّله من متهم إلى مريض تجب معالجته، قرار يوازن بين العقوبة الرادعة وتأهيل المتعاطي.
وتضمنت التعديلات إلغاء «الإبعاد الوجوبي بحق الأجنبي في حال إدانته بإحدى جرائم التعاطي أو الاستعمال الشخصي»، وبدل معاقبة المحكوم عليه يُعالج في وحدات علاج المدمنين وتأهيلهم، ويصبح اسمه «مريضاً» لا متهماً. 
لا تتناقض نظرة القانون مع النظرة الإنسانية للأمور، فإعطاء «المريض» فرصة لتقويم سلوكه، بمنحه العلاج والتأهيل خلال حبسه، يفيده ويفيد أهله، والمجتمع في آن.
كل مذنب يحتاج إلى فرصة يستحقها، وكل مدمن يحتاج إلى من يمدّ له يد العون، كي ينتشله من المستنقع الذي يغرق فيه ويعجز عن إنقاذ نفسه، وربما يعجز أهله وأقرب الناس إليه عن مساعدته في التخلص من الإدمان.
ولا تناقض بين القانون والرأفة والمشاعر الإنسانية؛ لذا ليس مستغرباً أن تسلك الإمارات هذا النهج وتبادر إلى الدمج بين الإنسانية والقانون، وتستبدل بالعقوبات ما يعود بالفائدة على الإنسان وصلاح نفسه وسلوكه، وينعكس إيجاباً على المجتمع أيضاً. المخدرات مرض خبيث يتسلل إلى أي مكان ويضع عينه دائماً على المراهقين والشباب، ولا يتوانى عن اقتحام أسوار المدارس ليغري الطلبة ويحاول التمكن منهم. الوقاية واجبة وضرورية، لكن المتابعة والمراقبة لا تقل عنها أهمية، من أجل إنقاذ من أصيب بهذا الداء، والحرص على معالجته أفضل ألف مرة من نبذه أو الاكتفاء بمعاقبته، أياً يكن شكل العقاب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"