بوابة التشهير

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

قبل أن نسلّم، أنفسنا وبملء إرادتنا، للانسياق خلف من قادونا إلى عالم «الترند» والشهرة المجانية والسريعة حيث كل فرد يفعل ما يشاء، ويقول ما يشاء، ووقتما يشاء، من دون أي رادع، لا قانوني ولا أخلاقي، كان للغموض سحره، وللعيب قيوده، وللشهرة شروطها الصعبة، وللحلم مكانته العالية، والكل يرفع الرأس لينظر إليه، أو يتحدث عنه في العلن.. كان للفن جماله، وكانت له كواليس نادراً ما يخرج بعضها القليل إلى النور، من باب تشويق الجمهور لا التشهير.
وسط معمعة «السوشيال ميديا» اليوم، والزحام الهائل والتنافس على الشهرة، صار التشهير هو البوابة الأسرع للفت الأنظار، ولا تسأل عن الوسيلة التي يتبعها الساعي إلى الشهرة كي يفوز بأكبر «ترند»، وأعلى نسب مشاهدة ومتابعة، ويصير حديث الناس بلمح البصر، فكل شيء متاح ومباح، حتى لو وصل الأمر إلى إساءة فتاة لسمعتها بنفسها. والفتاة هذه تحلم بأن يتكرر ذكر اسمها كل يوم، وفي كل الوسائل، وفي عالمَي الواقع والافتراض، كي تزداد «شهرة»، وتصير بين ليلة وضحاها الأكثر تداولاً على «السوشيال ميديا»، وطبعاً على كل المواقع ومختلف وسائل الإعلام.
الفتاة التي تقول إنها «تعبت» من كثرة البحث عن وسيلة تقدّم فيها نفسها للجمهور كمطربة وتصبح مشهورة، يبدو أنها اختصرت الطريق فعبرت إلى الشهرة من نافذة التشهير بالفن والفنانين، ولتضمن تعاطف الجمهور معها، «ركّزت» على السمعة السيئة للفن والفنانين بسبب «الحاجات الغلط»، ويُخيّل إليك من كلامها أنها النعجة الصغيرة وسط غابة من الذئاب. لم تذكر هذه المغنية التي لم نسمع عنها من قبل أنها تعرضت لتحرش، ولم تدعُ على أحد، بل شملت الوسط الفني كله، وتحدثت في العموم، وأنها اجتهدت كثيراً وسَعت للوصول بشكل «نظيف» إلى الغناء والشهرة، لكن كل من قابلته نظر إليها نظرة سيئة. 
لا يمكن لباحثة عن شهرة بوسائل مهينة لها أولاً، أن تشوّه سمعة وصورة الفن في مصر، فهذا العملاق لن يتعثر أو يتشوه ببعض الحصى الذي يجده في طريقه، أو يُرمى عليه بين الحين والآخر. الفن في مصر مدرسة علّمت أجيالاً، وهذّبت سمع وذوق أجيال، ليس في مصر فقط، بل في العالم العربي، ولا عجب إن حلم كثيرون بالانضمام إليها، ومن بينهم من لا يليق به الانتساب إلى المدرسة نفسها التي أسسها الكبار أمثال عبدالوهاب وأم كلثوم والسنباطي، وغيرهم. الفن في مصر أكبر من أن يهز سمعته «ترند».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"