انتقال الاقتصاديين إلى علم الصواريخ

20:50 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي *

افترض المنتمون لجامعة شيكاغو، في ظل وجود التطلعات الرياضية التي شغلتهم، أنه «يوجد قليل من صفات الرجل الإسكتلندي في كل رجل»، حيث نظر إلى الرجال والنساء، على أنهم يتمتعون بالدهاء، وعلى أنهم ممثلون يتطلعون إلى الأمام، ولديهم القدرة على جمع المعلومات، إضافة إلى قدرتهم على وضع آراء الآخرين في الحسبان، وحتى يصبح من الممكن تعقب النماذج التي لا تُعد ولا تحصى والتي أعدها الإسكتلنديون.. وعلى أي حال، فإن الأمر يتطلب وجود تقنيات أكثر دقة لوضع النماذج. 

 وكان روبرت لوكاس «هو الرجل الذي أستطاع حلّ المشكلة»، واستخدم أداة افتراض التوقعات الرشيدة ليحل مشكلته. وكان «لوكاس» لا يريد أن يزعج نفسه بتفاصيل كيفية حدوث الأشياء، ولكن افترض ببساطة أن الكلمة ستنتقل تلقائياً، فافتراض التوقعات الرشيدة ما هو إلا طريق مختصر، كما وضّح (هذا الافتراض) يفسر نتائج عملية وأكثر تعقيداً. كما بحث «لوكاس» فيما بعد عن الأدوات الرياضية التي ستمكنه من وضع نماذج لسلسلة من التغيرات المرتبطة بالتوقعات، وهي تتابع زمني من قرارات الأفراد، يعتمد كل منها ما تم تحقيقه في السابق، والذي سيتضمن تأثيرات أحداث التوقعات العرضية («الصدمات العشوائية» وفقاً للغة الإحصاء). 

 وسعى «لوكاس» للحصول على كتاب «ريتشارد بيلمان» عام 1957 الذي كان بعنوان «البرمجة الديناميكية»، وكان «بيلمان» عالماً في الرياضيات عمل في مؤسسة البحث والتطوير «رند» ويمكن التعامل معه على أنه عالم في مجال الصواريخ. وقد اخترع مجموعة من التقنيات التي صممت من أجل التوصل للقرارات المثلى التي لا يتسنى التوصل إليها إلا بعد عمل كثير من الاختبارات وسط الظروف المتغيرة، إذا كنت على سبيل المثال ترغب في إطلاق صاروخ ليخترق طبقات الجو العليا، وأن تصيب هدفاً في منتصف الطريق حول العالم، أو حتى إذا ما كنت ترغب في السفر إلى القمر. عملية اتخاذ القرار نفسها كانت موجودة في قلب أنشطة أقل غرابة بمراحل من الأنشطة سالفة الذكر، وقد أشار «بیلمان» إلى أن نظم المناقصات في عقود بناء الجسور، على سبيل المثال، أو العلاوات، أو ما يتعارض مع العلاوات، ونداء لعبة البوكر، مع فرص الخداع المثيرة للاهتمام المرتبطة بتلك اللعبة، كانت جميعها من ضمن تلك الأنشطة. وتمنى «لوكاس» أن تكون هناك إمكانية لتطبيق الطرق نفسها بصورة متساوية لحساب النقطة التي عندها يتم التوصل إلى قرار إما الإنفاق، وإما الادخار، أو اتخاذ قرار السحب من المخزون، أو التحول من الأسهم للسندات. وأي شيء يتطلب صياغة رسمية للروابط بين الحاضر والمستقبل يمكن أن يتم ترشيحه ليخضع للتحسينات عن طريق علم الصواريخ. وأطلق اسم «البرمجة الديناميكية» على الطرق الحديثة، حيث عبرت كلمة الديناميكية عن التاريخ والتغيير. وبدلاً من ذلك أطلق على تلك الطرق اسم «الطرق التكرارية» لأنه تتم إعادة الهيكل العام للمسألة نفسه، مراراً وتكراراً. والرياضيات التي تضمنتها تلك الطرق تعد أكثر تعقيداً. كيف يمكن إعطاء المسألة ضبطاً اقتصادياً؟ تحقق ذلك عندما كان «لوكاس» يحاول وصف السلوك الاستثماري، هنا أدرك أن الجدول الإلكتروني لا نهائي الأبعاد كان هو الإطار المثالي عند العمل على وصف النتائج المتنوعة المختلفة. وعمل لوكاس وصديقه إدوارد بريسكوت ليلاً ونهاراً، ليجيدا التعامل مع الرياضيات الحديثة، وعندما استطاعا أن يصلا إلى إدراك تام لتلك المفاهيم، كان أثر النتائج التي توصلا إليها شبيهاً بالصدمات الكهربائية على باقي اقتصاديي الاقتصاد الكلى. كما خلق كل من لوكاس وبريسكوت نموذجاً لعالم غير مرکزي ذي درجة عالية من عدم التيقن، وأطلقوا على ورقتهم البحثية «الاستثمار في ظل ظروف عدم التيقن»، وكان ذلك ما عرف «بالاقتصاد الكلي الكلاسيكي الحديث».

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"