اليورو في عيده العشرين

21:46 مساء
قراءة 4 دقائق

 د. لويس حبيقة *

مشروع اليورو في بداية 2002 كان طموحاً، ويستمر مع تحديات كبيرة. اليورو هو واجهة الوحدة الأوروبية وعنوانها الكبير. إذا نجح، نجحت أوروبا، والعكس صحيح. ويجمع الخبراء على أن الوحدة الأوروبية في أزمة، وليست وحدها طبعاً، نتيجة العوامل الاقتصادية والسياسية، كما الصحية. جائحة «كورونا» تضرب أوروبا ربما أكثر من أي منطقة أخرى. وقربها الجغرافي من منطقتنا، ومن إفريقيا عموماً، يفرض عليها تحديات إنسانية وسياسية كبرى. ونحو 70 ألف مهاجر غير شرعي وصلوا إلى الأرض الأوروبية عبر البحر في سنة 2021. وهذه أرقام قليلة نسبة لعدد سكان أوروبا، وربما يحتاج اليهم الاقتصاد لمهن معينة، لأن اليد العاملة الداخلية قليلة نسبياً. لكن من الطبيعي ألا تسهّل أوروبا استقبال المهاجرين غير الشرعيين، لأن ذلك يضاعف الأعداد إلى حدود لا يمكن عندها أن يتقبلها الشعب، لأسباب اقتصادية وسياسية، وخاصة ثقافية.

قوة اليورو مرتبطة بقوة أوروبا، والحقيقة أن الوحدة الأوروبية تتعثر سياسياً لغياب السياسات الواحدة المشتركة. وهنالك مشكلة أيضاً في ما يخص اتفاقية «شنجين» التي ألغت الحدود الداخلية، بسبب التباين الواضح بين الدول. وفي كل حال، سياسات مواجهة جائحة «كورونا» فرضت تعديلات عملية على الانتقال بين الدول بانتظار تعديل الاتفاقية رسمياً خلال رئاسة فرنسا للوحدة حتى آخر يونيو/ حزيران. والأوضاع المتقلبة في أوروبا تساعد أحزاب اليمين المتطرف على الفوز، أو أقلّه على تحسين وجودهم في المجالس النيابية. والانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة ستكون اختباراً ليس لقوة اليمين المتطرف الفرنسي فقط، بل للأوروبي.

 مشكلة منطقة اليورو أنها لم تحرر انتقال رؤوس الأموال بين الدول، وبالتالي لم يتم تعميم التنمية. وهكذا بقيت الاستثمارات الكبيرة في دول الشمال حيث الإنتاجية مرتفعة، وبالتالي توسعت التنمية لمصلحة الدول الغنية. وحصة الصناعة من الناتج ارتفعت من 18% في ألمانيا في سنة 1999 إلى 21% اليوم. ولم تتعد هذه النسبة 15% في إيطاليا، 12,5% لكل من إسبانيا والبرتغال، 10% لفرنسا، و7,5% لليونان. ونسبة اليد العاملة في الصناعة هي 18% في ألمانيا، و8% فقط في اليونان. وفي الواقع، تذهب العمالة من الجنوب لتعمل في الشمال، أي على عكس ما كان يجب أن يكون، تعميماً للتنمية، وتوزيعاً لها بشكل أفضل. ما هي نقاط ضعف الوحدة الأوروبية ومنطقة اليورو تحديداً؟

أولاً: غياب التنسيق بين السياسات الوطنية. هنالك سياسة نقدية واحدة تقودها اليوم، كريستين لاجارد، رئيسة المصرف المركزي الأوروبي، وسياسات اقتصادية ومالية وطنية في معظم الأحيان متباينة في أهدافها ومحتواها. وهنالك سياسة زراعية واحدة تتلخص في الدعم السخي للمزارعين، لكن ما تبقى من سياسات ضعيف في التوحيد والتنسيق.

ثانياً: هنالك رفض لأي نوع من الفيديرالية وإصرار على الاستقلالية الوطنية، ما يضعف الوحدة الأوروبية التي بنيت سياسياً كنسخة عن الولايات المتحدة. والنموذج الأمريكي لم يطبق كاملاً، وهذا يضعف أوروبا إلى حدود كبيرة، بالرغم من إمكاناتها الهائلة المتنوعة.

ثالثاً: أسوأ ما في المشروع الأوروبي غياب تحويلات رؤوس الأموال بين الدول بحيث تبقى الأموال في مصادرها، بعكس ما يحصل في الولايات المتحدة. لذا تبقى الدول متمايزة ومختلفة جداً في النمو والتنمية لأن رؤوس الأموال جامدة.

رابعاً: تعاني أوروبا تباين العقائد وجمود البيروقراطية. وكل دولة تحكم من قبل عقيدة وطنية سياسية تنبع من واقع وتاريخ الدولة. كما أن البيروقراطية جامدة في كل دولة وفي المشروع المشترك. والجميع يعاني من المشكلتين من دون أن يحصل التغيير الصعب الذي ربما يتطلب تغييرات ثقافية وقانونية كبيرة.

خامساً: لم تنجح أوروبا الكبرى ومنطقة اليورو تحديداً، في خلق سوق واحدة فاعلة وشفافة، مالياً واقتصادياً، أي مؤسسات وقوانين واحدة. وهنالك فروق بين تشريعات الدول ما يسمح للشركات خاصة الكبرى بالاستثمار في دولة حيث الضرائب منخفضة كايرلندا والتسويق في كل القارة. وخلق هذا الواقع مشاكل بين الدول يحاولون حلها عبر نسب ضرائبية دنيا ك15% على أرباح الشركات العملاقة.

كما أن الحد الأدنى للأجور يختلف من دولة إلى أخرى بحيث يعكس كلفة المعيشة. ومعدل الأجور متباين، وبالتالي يمكن للشركات أن تستثمر في دول حيث الأجور منخفضة وتسوق في كل أوروبا.

واقعاً ماذا يحصل تبعاً للعوامل المذكورة أعلاه؟

أولاً: كان الاعتقاد أن الوحدة الأوروبية، خاصة منطقة اليورو، ستخلق النمو القوي، وتقرب مستويات النمو بين الدول، بفضل أولاً انتقال الأموال، وثانياً توجه الاستثمارات إلى المناطق حيث الفعالية هي الأعلى، وهذا ما لم يحصل. وواقعاً زادت الفوارق بين الدول، وتوسعت فجوة التنافسية.

ثانياً: الاختبار الفعلي لأي مشروع كبير كالوحدة الأوروبية أو منطقة اليورو، يحصل في الأزمات، أي مدى قابلية المشروع على تخطي الأزمات، وربما معالجتها. ما حصل في أزمة 20082009 عمق الفجوات بين الدول الغنية والأقل غنى عوض أن يضيقها. وبعد الأزمة طلب من الدول التي عانت، أي دول الجنوب كاليونان وأسبانيا والبرتغال، أن تصحح أوضاعها بسرعة، وتعيد توازناتها الداخلية بأقصى سرعة ما دفعها إلى الانهيار. وطلب منها ذلك في وقت كان الشمال مرتاحاً نسبياً، أي أن ميزان المدفوعات في 2008 كان عاجزاً بنسبة 15% من الناتج في اليونان، 12% في البرتغال، 10% في إسبانيا، وفائضاً في ألمانيا أي 5% من ناتجها. وأعطيت الأموال لاحقاً لها بكلفة باهظة وشروط تصحيح قاسية.

 لو كانت منطقة اليورو مشروعاً واحداً مشابهاً للولايات المتحدة، لكانت الأموال حولت بسرعة من الدول الميسورة إلى الضعيفة، ولما كان يحصل هذا الانشقاق الاقتصادي الخطير

* أكاديمي لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"