تحديات القطاع العقاري في هونج كونج

21:13 مساء
قراءة 4 دقائق
2

نيكولاس سبيرو *

ازدادت جاذبية سنغافورة بشكل ملحوظ في أسواق العقارات الآسيوية منذ اندلاع جائحة فيروس «كورونا»، وكشفت نتائج دراسة استقصائية للمستثمرين في المنطقة نشرتها CBRE الشهر الماضي أن المدينة كانت الوجهة الثالثة الأكثر شعبية في آسيا للاستثمار الأجنبي بعد طوكيو وشنجهاي.

يرجع ذلك بكل تأكيد للمزايا الكثيرة التي تتمتع بها سنغافورة على المدى الطويل ومنها الاستقرار السياسي، والسياسات الصديقة للأعمال، والشفافية، والبنية التحتية الجيدة، والوصول السلس إلى رأس المال، الأمر الذي عزز أوراق اعتماد المدينة مركزاً مالياً إقليمياً، وتأكد أكثر مع النهج العملي للحكومة في إدارة الوباء. واليوم، ومع إعادة فتح الاقتصاد العالمي والجمع بين التطعيم الشامل والعلاجات من الوباء، تسابق سنغافورة الزمن لصالح التعايش الآمن مع الفيروس وحماية المجتمع والأفراد.

في الجانب المقابل، شددت هونج كونج قيودها أكثر وتركت المدينة معزولة نسبياً عن بقية العالم، على الرغم من الأدلة المتزايدة على أن النهج المتشدد يؤدي إلى نتائج عكسية، ويلحق الضرر بالانتعاش، ويزيد من المخاوف بشأن دور هونج كونج بوصفها مركزاً مالياً رئيسياً في آسيا والعالم.

الأربعاء الماضي، خفضت وكالة التصنيف الائتماني «فيتش» توقعاتها للنمو هذا العام في هونج كونج إلى 1.5 في المئة فقط. وحذرت من أن الناتج الاقتصادي لن يتجاوز مستواه في 2018 حتى العام المقبل، ما يجعل المدينة واحدة من أسوأ الاقتصادات أداءً حسب التصنيف الأخير.

وليس من المستغرب أن يؤثر التناقض بين هونج كونج المغلقة وسنغافورة المنفتحة بشكل متزايد على تصورات الأداء والتوقعات لأسواق العقارات. إذ تأتي إعادة الافتتاح التدريجي لسنغافورة في وقت يستفيد فيه قطاع مكاتبها من مزيج يحسد عليه من العرض الجديد المحدود وصافي الشراء القوي نسبياً مدعوماً بقطاع التكنولوجيا. وهذا يقود إلى انتعاش سريع في الإيجارات الرئيسية في منطقة الأعمال المركزية، والتي من المتوقع أن تنمو بوتيرة أسرع خلال السنوات القادمة. في حين أنه لا تزال الإيجارات في هونج كونج تتعرض لضغوط شديدة بسبب ضعف الطلب وكساد العرض.

ومن المنتظر أن تؤدي جولة أخرى من إجراءات البيع في سوق العقارات السكنية في سنغافورة، والتي استهدفت بشكل أساسي مشتري المنازل غير الجديدة والأجانب الذين يشترون منازل خاصة، إلى انتعاش الأسعار والمبيعات في الأرباع القادمة. لكن من المرجح أن تؤدي القيود التي فُرضت رداً على أسرع ارتفاع سنوي في قيمة المساكن الخاصة منذ عام 2010 إلى تصحيح أكثر حدة في السنوات المقبلة مع تشديد الأوضاع المالية.

تعزز القيود تصور الحكومة التي تتدخل بشكل استباقي لضمان عدم خروج أسعار المساكن بشكل كبير عن الأسس الاقتصادية. وهذه نقطة أخرى تقارن فيها هونج كونج بشكل سلبي مع منافستها الإقليمية. ومع ذلك، فإن صناعة العقارات في المدينة، ولا سيما التجارية منها، تستحق المزيد من الثناء؛ لأنها حققت انتعاشاً وسط العزلة والمعوقات، وتحملت سلسلة من الصدمات المحلية والخارجية في السنوات العديدة الماضية.

صحيح أنه كان متوقعاً تفوق سنغافورة، التي يُنظر إليها منذ فترة طويلة على أنها ملاذ آمن مقارنة بنظيراتها الإقليمية، خلال الوباء، لكن المثير للدهشة هو تفوق هونج كونج على التوقعات. فضمن ذات المسح الذي أجرته CBRE، لم يكن الاكتشاف الأكثر أهمية هو أن سنغافورة كانت ثالث أكثر المدن شعبية في آسيا من حيث الاستثمار الأجنبي، بل احتلال هونج كونج المرتبة السادسة في سلم الترتيب، بعد أن غابت عن المراكز العشرة الأولى في استطلاع العام الماضي.

تجاوز حجم معاملات العقارات التجارية في هونج كونج العام الماضي مستوى ما قبل الوباء في عام 2019، وشكلت العقارات الصناعية المفضلة خمسة من أفضل كل 10 صفقات، وبحسب الاستطلاع، وفرت الخصومات على الأسعار في قطاعي التجزئة والفنادق، الأكثر تضرراً، للمستثمرين مزيداً من الفرص لإعادة التطوير وترتيب أوراقهم الاستثمارية من جديد.

ففي قطاع المكاتب، وفي ظل معاناة سنغافورة من قيود العرض ونمو الإيجارات، يستفيد المستأجرون في هونج كونج من انخفاض بنسبة 30% في إيجارات الدرجة الأولى منذ منتصف عام 2019. وبنفس القدر من الأهمية، تفخر المدينة بسوق مكاتب لامركزية أكثر تطوراً، مما يوفر خيارات أكبر للمستأجرين.

وقال أدا تشوي، رئيس قسم أبحاث السكان في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في CBRE في هونج كونج، إن بعض المناطق اللامركزية في المدينة أرخص من المناطق غير التابعة لاتفاقية التنوع البيولوجي في سنغافورة. علاوة على ذلك، فإن مواءمة سياسة كوفيد بخصوص «العدوى الصفرية الديناميكية» في هونج كونج مع سياسة البر الرئيسي الصيني تؤكد على الدور الحيوي الذي تلعبه الأخيرة في زيادة الطلب على العقارات في هونج كونج.

وبينما أدت القيود الصارمة إلى تكثيف المخاوف بشأن مستقبل المدينة كمركز مالي، فإن دور هونج كونج كبوابة اقتصادية آمنة إلى البر الرئيسي ليس موضع شك نظراً لتصميم بكين على الحفاظ على سيطرتها على تدفق رأس المال من وإلى الجغرافيتين. 

ومع عدم وجود علامات على استراتيجية تخارج من الوباء، تسير هونج كونج، شأنها شأن الكثير من المدن، في طريق غير مستدام. ومع ذلك، لا يزال سوق العقارات فيها مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً باقتصاد الصين ويتمتع بجاذبية كبيرة.

* خبير في الاقتصادات المتقدمة والناشئة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"