الاقتصاد العالمي ومنحنياته في عام 2022

21:32 مساء
قراءة 3 دقائق
3

د. عبدالله علي آل بركت *

أسدل عام 2021 ستاره تاركاً خلفه أحداثاً ووقائع مليئة بالتحديات والمواجهات المتنوعة وبدأت القوى الكبرى في استخدام أدوات الجيو السياسية والاقتصادية في فرض السيطرة على الإنتاج وهندرة الأسواق والتوزيع ومحاولة السيطرة على سلاسل التوريد.

كما واجه العالم في عام 2021 أخطاراً ومن أهمها حالة عدم اليقين التي عاشها العالم بسبب الجائحة، وليرتفع التضخم لمستويات قياسية أمام عدم استقرار واضح في كيفية التعامل معه من قبل البنوك المركزية.

وسوف يتعين مراقبة الدين الخاص بدقة نظراً لأن أي زيادة مفرطة فيه يمكن أن يترتب عليها في آخر المطاف ارتفاع الدين العام.

وتقدر مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني أن ترتفع تكلفة خدمة الدين العام في الدول النامية والفقيرة ليصل حجم مدفوعاتها في عام 2022 إلى 860 مليار دولار.

وبناءً عليه، يتحتم على دول العالم المتقدم الداعمة أن تحافظ على أسعار فائدة منخفضة نسبياً خلال فترة الأزمة، وأن تزيد من تحويلاتها إلى الدول الناشئة، خاصة ما يتعلق بدعم الإنفاق على الرعاية الصحية، والتخفيف من أعباء الفقر التي تضاعفت بسبب ظروف جائحة كورونا.

في الاقتصادات المتقدمة، لا تزال سياسة المالية العامة داعمة للنشاط الاقتصادي والتوظيف، وهي آخذة في التحول في هذه البلدان بعيداً عن دعم مجالات الطوارئ لمواجهة الجائحة والإمدادات الحيوية. وقد أخذت بالفعل في الانتقال إلى الاستثمار العام لتيسير التحول الأخضر، والتحول الرقمي وسوف تعمل بعض السياسات أيضاً على جعل الاقتصادات أكثر شمولاً للجميع. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تهدف بعض مشروعات الميزانية إلى الحد من عدم المساواة وبإمكانها تخفيض معدل الفقر بنحو الثُلث.

أما الأسواق الصاعدة والدول النامية منخفضة الدخل فتواجه آفاقاً اقتصادية أكثر صعوبة نظراً لأن نسبة كبيرة من سكان عدد كبير من الدول لا تزال دون تطعيم. وبالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تخلّف الأزمة آثاراً سلبية طويلة الأمد وتؤدي إلى تقليص إيرادات المالية العامة مقارنة بالاتجاهات العامة السائدة قبل الجائحة، خاصة في الدول النامية منخفضة الدخل. وسيترتب على ذلك زيادة صعوبة السعي لتحقيق جدول أعمال التنمية. ويتراجع حالياً حيز الدعم من المالية العامة، الضيق بالفعل، مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، نتيجة تزايد تشديد القيود التمويلية. وسوف يتعين على الحكومات مواصلة إعطاء الأولوية لمجالات الصحة العامة وحماية الفئات الأكثر ضعفاً. وعلى الرغم من حالات التحسن الاقتصادي مقارنة بأسوأ الأزمات السابقة، فإن التقديرات تشير إلى سقوط عدد إضافي قدره 65-75 مليون نسمة في براثن الفقر بنهاية 2022 مقارنة بما كان سيؤول إليه الحال بدون الجائحة.

على الجانب الإيجابي، فإن تكثيف جهود تسريع التطعيم في مختلف أنحاء العالم سيؤدي إلى تحسين آفاق النمو وتعزيز الموارد العامة.

في خضم الآفاق المشوبة بعدم اليقين والتحديات الكبيرة التي تكتنف الموارد العامة، ينبغي أن تتحرك الحكومات على عدة جبهات:

معايرة السياسات للتكيف مع أوضاع الجائحة والتطورات والآفاق الاقتصادية. فينبغي إلغاء الدعم تدريجياً، كما ينبغي أن تهدف الإجراءات المتخذة على مستوى المالية العامة إلى احتواء المخاطر المحيطة بالموارد العامة والمحافظة على استقرار الأسعار والاستقرار المالي.

إعطاء أولوية لتحويل الاقتصاد لكي يصبح أكثر ذكاء، وخضرة، وصلابة، وشاملاً للجميع. وهذا يعني زيادة الاستثمار في رأس المال المادي، والتعليم، وشبكات الأمان الاجتماعي، إلى جانب زيادة الدعم لجهود إعادة تدريب العمالة وإعادة توزيعها في وظائف جديدة أفضل.

زيادة الإيرادات الضريبية تدريجياً عند الضرورة ورفع كفاءة الإنفاق.

وتزداد الحاجة الماسة لكل هذه الخطوات في البلدان النامية منخفضة الدخل نظراً لتوقعات استمرار تراجع الإيرادات، ما قد يحد من توافر التمويل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وتعزيز مصداقية سياسة المالية العامة لخلق حيز من أجل زيادة الدعم في الأجل القصير دون تعريض الائتمان العام للخطر. فينبغي أن يكون الإنفاق الطارئ مصحوباً بإجراءات تضمن الالتزام بالشفافية والمساءلة. ومن شأن أطر المالية العامة متوسطة الأجل أن تطمئن المقرضين إلى أن الحكومات تتصرف بصورة مسؤولة مالياً، ومن ثم خفض تكلفة التمويل.

في بداية 2021 كان المتوقع أن ينتهي العام بمعدل تضخم أمريكي في حدود 2%. ولكن ما حدث أن معدل التضخم وصل إلى 7%. ويتوقع المحللون أن ينتهي العام وقد تراجع معدل التضخم إلى المستويات المستهدفة، أي في حدود 2%.

من جانب آخر يمكن أن يشهد العالم في عام 2022 منحنى يتمثل في التوترات الجيوسياسية والاقتصادية في أوروبا وزيادة أسعار الفائدة الأمريكية وتشديد السياسة النقدية إلى ضربة قوية للأسواق الصاعدة

* الأمين العام لجمعية الإمارات للمحاسبة والتدقيق

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"