بين ريو وباريس وجلاسكو.. إرث يتعين حمايته

21:48 مساء
قراءة 4 دقائق
4

ماري روبنسون *

لقد مرت 30 عاماً منذ اجتماع قادة العالم في ريو دي جانيرو واتفاقهم على مجموعة من التدابير لبدء التعبئة العالمية ضد تغير المناخ الذي يسببه الإنسان، ولتلبية النموذج التنموي الأكثر استدامة. وقد أكد إعلان ريو أن البشر هم في صميم اهتمامات التنمية المستدامة، ويحق لهم العيش حياة صحية ومثمرة في وئام مع الطبيعة.

اليوم، يعاني عشرات الملايين من الأشخاص أسوأ أزمة مناخية تضرب العالم الذي يئنّ بالفعل تحت وطأة عدم المساواة الاقتصادية والظلم الاجتماعي. وكشف فيروس كورونا وفاقم أيضاً إخفاقات السياسات في العقود الثلاثة الماضية، في ظل عدم وفاء القادة السياسيين بالتزاماتهم السابقة.

من الأفضل أن يستمع صانعو السياسات في كل مكان إلى دعاة المناخ الشباب وأولئك الموجودين في الخطوط الأمامية للأزمة من أجل مناقشة التحديات المستقبلية؛ إذ تعد هذه المناقشات بين الأجيال حاسمة لدفع التقدم ودعم أحد المبادئ المركزية لإعلان ريو المتمثل بضرورة الوفاء في التنمية من أجل تلبية الاحتياجات التنموية والبيئية للأجيال الحالية والمقبلة بشكل منصف.

يُجسد إنشاء «اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ» ميراثاً قوياً للاجتماعات المناخية السابقة، وهي التي تعتبر الهيئة الرئيسية متعددة الأطراف في جهود المجتمع الدولي لتعزيز الإجماع السياسي بشأن العمل المناخي ضمن مؤتمرات القمة السنوية لمؤتمر الأطراف (COP).

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في جلاسكو، أحرز مؤتمر الأطراف «كوب 26» بعض التقدم نحو تعزيز مساهمات اتفاقية باريس لعام 2015 المحددة وطنياً لخفض الانبعاثات، وسد الفجوة في تمويل التكيف مع المناخ وإنهاء استخدام الفحم، لكن هذه التطورات لم تكن كافية في أي مكان، نظراً للتهديد الوجودي الناجم عن زيادة نسبة الانبعاثات ودرجة حرارة الأرض.

لذلك يجب أن يكون هذا العام عام المساءلة، مع وفاء جميع الجهات الرئيسية المسؤولة عن إطلاق الانبعاثات بوعود ما يسمى «ميثاق جلاسكو للمناخ»، والذي يحافظ على شريان الحياة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، وعلى النحو المتفق عليه في اتفاقية باريس.

وعدت جميع الدول المشاركة في «كوب 26» بتكثيف طموحاتها وإعادة النظر في الأهداف الموضوعة لخفض الانبعاثات في أقرب وقت هذا العام. بعبارة أخرى، يجب على أولئك الذين لم يضعوا بعد أهدافهم المناخية التنموية 2030 والموازية لباريس أن يفعلوا ذلك بحلول «كوب 27» القادم في شرم الشيخ في مصر. في المقابل، على جميع البلدان أن تسرّع في تنفيذ التزاماتها الجديدة، وبالأخص اقتصادات مجموعة العشرين الثرية، كونها مسؤولة عن معظم الانبعاثات العالمية.

يظل «تمويل المناخ» جزءاً مهماً آخر من اللغز. فقد مر أكثر من عقد منذ أن تعهدت الدول الغنية، في مؤتمر الأطراف «كوب 15» في كوبنهاجن، بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لدعم البلدان النامية في جهودها لتخفيف وطأة الألم والتكيف معه. ولكن مع الأسف، لم يتم الوفاء بذلك. وعليه، من أجل عودة الثقة العالمية وإظهار حسن النوايا، يجب على البلدان الغنية مواصلة هذا الالتزام في 2022. ومن المفارقة، أن المؤتمر القادم ستستضيفه دولة إفريقية على شواطئ البحر الأحمر، والقارة السمراء هي الأكثر عرضة لتغير المناخ، ومع ذلك فإن مساهمة البلدان الإفريقية في هذه المشكلة خجولة.

فمن أجل العدالة والتضامن، نأمل في رؤية إفريقيا تتحدث بصوت واحد لضمان أن «كوب 27» سيعزز مخاوف المنطقة ومساعيها بشأن التكيف والتمويل والخسارة والأضرار، ويسلط الضوء على بعض البلدان التي تعاني آثاراً مناخية تتجاوز قدرتها على التكيف.

ترك مؤتمر المناخ الأخير «كوب 26» وراءه أجندات معلقة في مجال قياس الخسائر والأضرار، لأن الولايات المتحدة، بدعم من الاتحاد الأوروبي، أجّلت إنشاء آلية مالية جديدة لإعادة بناء المجتمعات في أعقاب الكوارث المتعلقة بالمناخ. ومع ذلك، فقد التزم ممثلو الدول بإجراء مزيد من المناقشات حول هذه القضية، ما يعني أن «كوب 27» سيمثل فرصة كبيرة لتحقيق اختراق مهم.

يعتبر إنشاء صندوق تمويل خاص وفعال معني بالخسائر والأضرار التي تتعرض لها الدول الأكثر تأثراً بالتغير المناخي أمراً مهماً جداً. ففي مؤتمر جلاسكو، وفي خطوة استباقية، تعهدت الحكومة الاسكتلندية ومنطقة والونيا البلجيكية بتقديم 3.7 مليون دولار موجهة لهذا الصندوق، مع أموال مماثلة من المنظمات الخيرية، لكن هذه الأموال لا تزال عالقة حتى اليوم. ومن التطورات المشجعة الأخرى الاتفاق الذي أبرمته جنوب إفريقيا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة لدعم «الانتقال العادل» لجنوب إفريقيا بعيداً عن الفحم. وهو أمر يحتاج إلى مزيد من الجهد والمتابعة ومحاكاته في مكان آخر لمعرفة النتائج.

لا تزال روح التعددية التي حرّكت قمة ريو ونتائجها تسري في عروق القمم المناخية اليوم ولا غنى عنها؛ وذلك على الرغم من المناخ الجيوسياسي المحفوف بالتوترات والشكوك المتبادلة وضعف المؤسسات. ولتكريم إرث قمة ريو، وتلبية احتياجات أولئك الذين يعيشون بالفعل مع عواقب أزمة المناخ والحد من تداعياتها على الأجيال القادمة، يجب علينا المضي قدماً بشكل أسرع لحماية أرضنا المشتركة، وأن يكون العام الجاري بحق هو نقطة التحول المنتظرة.

* الرئيسة السابقة لأيرلندا والمفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"